مرثاة وطن

وفيق غريزي

 

لماذا لم تبقِ لي الأيام

إلا الذكريات؟

ورياح الذل والقهر تعصف بنا

أصبحنا في بلادنا غرباء

تلتقي عيوننا بين حين وحين

فجأة صرنا كهولا على عكازتين 

نجتاز دروب الليل إلى حتفنا 

نرثي وطنًا ذبيحًا 

بنجيع الكلمات.

………..

بلادنا كانت طفلة تضحك في مهدها

أضحت اليوم تندب أبناءها

تبكي ضياع مجدها

ومن بكى حين رأى الدمع يجري

فوق خدها

صرت بلا اسماء

ليس لي أهل ولا بيت

كل ما أملكه جوهر الإنسان.

………

يا وطني كن لي سيفًا أو بندقية

أو نايًا ونشيدا

ظهر الطغاة الفاسدون

أحفاد الشياطين

ينادون الأسماء

إلى الموت يسوقون الأنبياء

والشعراء.

……….

نساء مخضبات الساق والنهد

يغصن في نهر الدماء

الأطيار المهيضة تهجر الغابات

أمطارنا غبارٌ ودخان

وأفاويه من بلاد السند.

……….

ترتعش على فمي  البسمات

يتوهّج دمي في عروق الكائنات

ينمو في الروح حلم الأمنيات

أرثو المنتظر

يثير في النفس عبير الأثر

في المساء من المنفى أشد الرحال

أبدد عن طريقي الأشباح والظلال

 شواهد القبور تطوف في البال.

……….

أبكيك يا وطني وأرثيك

أنت يا ضوء النهار 

ما زلت أندب حلم التمني

والضحايا الشهداء

حاملين  الدم خمرا في الخوابي

والجرار

زارعين الشمس قمحا وبذار 

في الارض البوار

علها في الغد الآتي

تنبت زهرا وثمار

وتفتح جنة العاب

لأطفال صغار .

……….

جلست على أهداب المساء

أحوك شراييني كلمات للرثاء

روح لبنان صيروها خيوطا من هباء

من صلب في وطني المسيح

وبالسر باح

الطغاة يقتلونه في المساء والصباح

حولوه إلى نسر من دون جناح .

……….

هم أحرقوا الحقول ونهبوا الغلال

بأذرع مبتورة مسخوا النساء والرجال

الليل طال

أسدل وشاحه

وعلى الوطن الزوال .

……….

على أطلالنا تنتحب أُنثى الرياح

أمشي وحيدا خلف جنازة القمر

الطيور هجرت أغصان الشجر

من جوف التراب يعلو

العويل والنواح .

……….

صمتت النواقيس على صدر الحجر

 واختنقت في الأفواه الأغنيات

وجه وطني يتمرأى حدقة البصر

أمسيت وحيدا

بعد انتحار الحب واغتيال الأصدقاء

لم يبق  لي إلا صديق

يطلب لي الرجاء

ماذا تبقى لشاعر

هو والوطن مجهولا المصير.

……….

يا قاتلي الأوطان وصالبي المسيح 

يا من جدلتم لهما أكاليل شوك

يا من سكرتم على جسديهما

أنظروا أياديكم

تقطر دماء

عجزت عن الصهيل أو الغناء

لم يعد في جعبتي هدية

لوطني إلا الرثاء …