“رُباعیّة بیروت”…لَكِ الْغارُ في كُلِّ الْأَزْمِنَة
“رُباعیّة بیروت” أناشید لفارس الحَرَموني المهجري نُظمت بین 2014 و2019، وكان الكتاب ماثـِلاً للطباعة قُبيل التفجير البربري لبيروت. صدر عن دار نلسن في بيروت.
يعود ريع الكتاب لمساعدة المتضررين من تفجير بيروت من خلال مؤسسة:
LIFE Humanitarian Relief Effort. Life Generation.
Website https://lifelebanon.org
فارس الحَرَموني
لَكِ أَكَالِيلُ الْغَارِ فِي كُلِّ الأَزمِنَةْ
مِن أوَّلِ التَّارِيخِ وامتِدَادِ الأُسُسِ
وأوَّلِ صَخرَةٍ شُيِّدَتْ عَلَيهَا
عَمَارَاتُكِ وَالهَياكِلْ
عُطِّرْتِ بِمَاءِ الزَّهرِ وَالرَّيحانْ
وتَكلَّلْتِ بِالوَردِ والأُرجُوانْ
تَبرَّجْتِ تَجَمَّلْتِ وتآنَسْتِ
تَثقَّفتِ بِالحُروفِ والمَعرِفةْ
تَيقَّنتِ تَسامَيْتِ وتَجرَّأتِ
حَجَّتْ إلَيكِ الآلِهَةُ، سَكنَتْكِ
وشَيَّدَتْ فِي رِحَابِكِ المَعَابِدَ
وعبَّقَتهَا بِالمِسْكِ والبَخُورْ
ومعَ جَلَبَةِ أتبَاعِهِمْ وضَجِيجِهم
خَيَّمَ الأَنبِيَاءُ خَارِجَ أَسوَارِكِ
إحتِراماً وإجلَالًا لِتعَبٌّدِ مَريَمَ
مُذْ حَلَّتْ هِي وَصَحْبُهَا عَلَيكِ
وشَعَّ نُورُهَا فِي رِحَابِكِ
فَاستَجَابَ شَعبُكِ تَهَلُّلاً وَفرَحاً
وَصَلوَاتٍ لَهَا وَوِصَالاً إلَيكِ
والآنْ، مَاذَا وَلِمَاذَا؟
ومَن هُمْ هَؤُلَاءْ أهلُ التَّعَاسَةِ؟
عَاثُوا فِيكِ حَتَّى مَدَارِجِ الوَسَخِ
حَتَّى المُوبِقَاتِ وَالفَسَادِ العَرَمْرَمِ
خانوكِ رَمَّلوكِ
غَدَرُوا بِكِ
وأوْغَلُوا فِيكِ بَارِقَةَ الخَنجَرْ
لِمَاذَا عَلَيكِ القُمَامَةُ وَالذُّبَابُ؟
كَالعَفَنِ الفُطْرِيِّ عَلَى مَرْمَرِ جَسَدِكِ؟
والسُّمُّ حَتَّى عُرُوقِكِ؟
وهَذَا النَّطْحُ العَبَثُ
البَشِعُ الوُجُودْ فِي فَضَائِكِ وسَمائِكِ
يَكْسِفُ مَدَارَ شَمْسِكِ طالِعَةً
يَحْجُبُ هَالَةَ ثَلْجِ صَنَّينِ عَلَى هَامَتِكِ
يُعَتِّمُ مَدارَ الظَّهيرَةِ وألوَانَ الغُروبْ
وبَعدَ أن غَزاكِ القُرصَانُ والجِيرانْ
أينَ المُوَاجَهَةُ وذَلِكَ العَدْلُ الميزانْ
وأينَ كِنْعانُ وآرامْ والشَّامُ والسِّرْيانْ
وأينَ الأَصَالَةُ وقَحْطانُ وعَدْنانْ
ومَدَامِيكُ الإغْريقِ والرّومانْ
وتَمَاثيلُ الآلهةِ وإِزْمِيلُ النَّحّاتِ
والمَعَابِدُ والعُلى والمِحْرَابُ والأَعْمِدَةْ
وآبَارُ الصَّفَاءِ والمَوَدَّةْ
وأينَ مَبَانِي دِمَشقَ وفْلورَنْسا
وقُسطَنطِينِيَّةَ وفَرنْسَا
وأينَ المَتَاحِفُ والجَنائِنُ والسَّاحاتْ
والمَسَارِحُ والأَنَاشيدُ والمَكتَباتْ
وأينَ عَصِيرُ الجَلَّابِ وتَمرُ الهِندْ
والخُبزُ الطَّازَجُ والنَّعناعْ
ودِبْسُ العِنَبِ والخَرّوبْ
وزَيتُ الزَّيتونِ والزَّعتَرْ
وفَاكِهَةُ البَحرِ الأزرَقِ
ونَبِيذُ السَّهْلِ والتِلالْ
وشُرُفاتُ الحَبَقِ واليَاسَمِينِ
والعِطْرُ وإكلِيلُ الجَّبَلْ
وبَعدَ وأينَ وأنَّى حَنَانُكِ عَلَيْهِمْ وإلَيْهِمْ
وبَعدَ الكِسَاءِ أَطعَمْتِهِمْ وآويتِهِمْ
وبَعدَ البَعْدِ لِمَاذَا لَذَّتُهُمْ وشَبَقُهُمْ؟
ولأنَّ الباطِلَ لا يَسْتَقيمُ ولا يَسُودْ
والمَلِكَ الإلهْ نَقيضُكِ، أينَ هُوَ شَعْبُكِ؟
وأينَ المَوْعِدُ الجَمِيلُ والمُرْتَجَى؟
وَإِلَى مَتَى “شْحارِ البَيْنْ” والظُلْمَةُ؟ وأينَ هُمْ أهلُكِ؟
قَبْلَ أن تَصْرُخَ آلِهَتُكِ، تَثُورُ فِي مَعابِدِكِ
تَرْمِي المَشالِحَ عَلَى الأَدراجْ
“وتَدُبُّ الصَّوْتَ”، تَدُقُّ الأَجرَاسْ
تُرَتِّلُ المَآذِنُ وتَصْدَحُ المَدَارِسْ
تَؤُمُّ النِّعْمَةُ شوارِعَكِ والسَّاحاتْ
تُنْهِضُ وتَنكَسِرُ القُيودْ تَحْدو الفَوارِسِ
وكُلُّ سَواعِدِهَا والقَوْمِ أَجمَعينْ
وتَمْتَزِجُ الألوَانُ والنَّفحَةُ الثَّائِرَةُ الزَّكِيّةْ
تُحَرِّرُ وتَهْدُرُ الجُمُوعُ كَفَى وَكَفَى
وتُنَادِي الشَّمسَ والقَمَرْ
والجَدْيَ والفَوارِسَ والزُّحَلْ
لِتُشْعِلَ البَرْقَ والشُّهُبْ
وتُسْقِطَ الأَمطَارَ والرَّعْدْ
وتَغسِلَ الفَضَائِلُ شَوارِعَكِ والهَيَاكِلَ
وبِذَلِكَ السَّوْطِ كُلَّمَا إِنْحَرَفُوا
تضرُبُ الصَّيارِفَةَ
كَمَا الثَّعالِبَ وجَماعاتِ الدَجَّالينْ
تَلْعَنُهُمْ وتَسُوقُهُمْ
إِلَى مَعْمَعَةِ قُدُسِهِمْ
لِيَتعَارَكُوا
وَمِنْ أينَ الطَّرِيقُ إِلَى سُبْحَانِهِ؟
إِنَّهَا هُنَيْهَةٌ مِنَ الإِستِشْرَافِ
ثُمَّ تَرْميهِمْ ونَجْسَ الرُّوحِ
مَعَ الأَشْرارِ وشُذَّاذِ الأرضِ القَراصِنَةْ
وكُلَّ مَن حَطَّبَ سَرْوَكِ والسِّندِيانْ
واقتَلَعَ أشجَارَ التّينِ والزَّيتونْ
واليَاسَمِينِ والرُّمَّانِ واللَّيمونْ
ودَنَّسَ تُرْبَةَ أزهَارِكِ البَرِّيةْ
ولَن تَلبَثَ الحَقِيقَةُ جُلُوسًا عَلَى الخَرابْ
بَلْ عَلَى الصُّمُودِ والطُّهْرِ كَرائِحَةِ الوَزَّالْ
وبَعدَ الجَلَلْ
وهَدِيرِ الشَّعْبِ والآلِهَةْ
والرَّعدِ والبَرقِ والحَرقْ
وبَعدَ السُّكُونِ والرَّاحَةِ
وفِي اليَومِ الثَّامِنِ وذَلِكَ المَسَاءِ
تَشُعُّ نَجمَةُ البَحرْ
لِتُبارِكَكِ وتَحْميكِ وأهْلِيكِ
وفِي الصَّبَاحِ التَّالي
تَشْرُقُ تِلكَ الأُنثَى مِنَ العَلياءْ
عَلَى الأَزَلِ عَلَى سمَائِكِ الزَّرقاءْ
وبَحرِكِ الهَادي وَشَطِّ الأَمانْ
وعَلَى بيروت البَهِيَّةِ الصَّامِدَةِ
أَصيلَةِ مُدُنِ البَحرِ المُتوَسِّطْ
***
(*) الصورة الرئيسية: لوحة للرسام التشكيلي إيفان دبس
