جنجر يسخر من طريقة  استحمامنا!

Views: 382

زياد كاج

   يستمر جنجر القط بطرح علامات الاستفهام والاستغراب في بيتنا منذ أن حل وسطنا في قفص صغير قاطعاً رحلة غير مريحة في السيارة من بدارو الى المريجة. الدكتور البيطري الطيب والخلوق، علي سرور، تعاطف مع الأولاد وأشفق عليهم بعد رحيل قط مستورد كلف ابني مبلغاً بالعملة الصعبة وتسبب له بصدمة الفقدان، فأهداه هذا القط المطعم “محلياً وأجنبيا”. “قط بندوق” حسب التعبير الشعبي.

أطلق عليه الأولاد اسم جنجر لشقاره وبياض وبره الذي يزين صدره العريض.

   اُصيب جنجر في بيتنا بسلسلة من الصدمات الحضارية والثقافية التي تنتج عادةً من عمق الهوة بين عالم الإنسان وعالم الحيوان. يقضون حوائجهم غرائزياً تماماً كما توارثوها عن الأجداد دون تعديل أو نقصان منذ أيام سفينة نوح. كان الحيوان  في العصور القديمة يسيطر على العالم الخارجي ، وهو اليوم مدجن في بيوت بني البشر. الزمن الأول تحوّل. ولم يبقَ له سوى الدلال أو التحدث مع أبناء جنسه أو مع نفسه.

   جنجر قطنا المحظوظ، الذي لا يدفع لا كناسة ولا حراسة ( حسب وصف الشاعر عمر الزعني) يعيش معنا حتى صار “واحدًا من العائلة”. طعامه والبحص المخصص لقضاء حاجته مؤمنان مع الكثير من الغنج والدلال. لأن القط يعيش على طريقة “قوم لنام محلك”. يراقبنا بشكل يومي في حركتنا من الصباح الى المساء. وحين تجتمع العائلة في المطبخ، يتسلق الغسالة ويتموضع في مكانه الإستراتيجي ويكثر الشم والمواء خاصة اذا كانت الطبخة من دجاج او سمك. تنهره زوجتي، يسكت قليلاً ويستمر في تحريك أنفه الصغير.

 

  يراقبنا جنجر ويعجب من طريقة استحمامنا! يستغرب كيف نضع طنجرة (كنا نستخدمها في الطبخ) على الغاز لتسخين المياه في فصل الشتاء. تغلي مياه الطنجرة الحمراء، ثم تُحمل وتُدلق في الطشت في زاوية الحمام داخل البكادوش. يراقب جنجر القط باستغراب كيف يُتفتح  دوش الماء البارد على الطشت كي تُعدل حرارة المياه قبل الاستحمام. جميعنا نفعل ذلك لسببين: الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي مما يجعل تسخين المياه في القازان أمرًا مستحيلا. وثانياً، إنقطاع مياه الشركة ولجوءنا كبقية الجيران الى شراء مياه مالحة نملأ بها خزاناتنا والشوارع في طوفان من مياه الأمطار.

 لا تنتهي العملية هنا. يستغرب جنجر ويُصدم كيف نسخن مياه حلوة ونضعها في قنينة بلاستك ندخلها معنا الى الحمام كي نزيل آثار المياه المالحة التي تبدو واضحة على زجاج البكادوش الجرار!

 عايش القط جنجر المرحلة الصعبة التي أمضيناها ونحن نخطط ونجدد الحمامين في شقتنا. واليوم نحن نستحم بالكيلة تماماً كما كنا نفعل في بيت الأهل خلال الحرب الأهلية. يعجب لعائلة صرفت ملايين الليرات( قبل جنون الدولار) على تجديد حمامين حتى أصبحا فرجة وحديث الأقارب لفترة لا بأس بها. أشهر أمضيناها في شراء وزيارة المعارض ونحن نتجادل في ما بيننا  ومع الأولاد على كلفة البياض ولون البلاط ونوعية البكادوش، والمراحيض المثبتة بالحائط…و” يا عالم شوفونا”.

“مساكين”، يكرر جنجر في سره.”يا فرح ما دام بالحمام.. تحت الدوش وخلف الباكدوش”.

يتموضع القط جنجر على كنبة في مدخل البيت وهو يغتسل بلسانه ويطيل شاربيه في زمن أقل ما يقال فيه إنه زمن “خ..”. يهز رأسه يميناً ويساراً ويلعب بذيله مستهزئا شامتاً لمشهد طنجرة المياه الساخنة  وهي تعبربحذرمن أمام عينيه قاصدة الحمام البارد. يتذكر كم تحمل من ضجيج وغبار وحضور سنكري  لعلع صوته الجهوري في أرجاء البيت ؟ وكم اختبأ تحت الأسرة من عمال أغراب أمضوا أسابيع في ورشة الحمامات تلك التي لم ولن ينساها.

   حمامات حديثة، بكادوش، لكن لا  دوش، والطنجرة في الحمام..

والاستحمام بكيلة بلاستيكية وطشت للغسيل.

   جنجر بحاجة ماسة  لقص شعره وأظافره. الأولاد يرفضون بحجة البرد والطقس العاطل. ينشر وبره اينما جلس ولا يكترث.

المهم أن لا يبرد جنجر.                         

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *