شربل زغيب… واقف على قمّة جبل الزمان

Views: 340

أنطوان يزبك

شربل زغيب القادم من شواهق وربى القرية الوادعة تعهد الجمال وحلق في فضاء الشعر اللبناني الزجلي وسكن في حنايا الروح ، القلب والوجدان..

غالبا ما يُكرّم الشعراء في الوطن ويُكرّم الشعر، ينبري المتكلمون يعددون المحاسن والمزايا، ولا يتورعون عن قياس براعة الشاعر من خلال ما يأتي في متن شعره من صور وما تجود به قريحته من أشكال وعبر عجز عنها أقرانه ومجايلوه ومن سبقوه.

ومن يكرِّم يعمد إلى المحسنات والمنمقات والمديح، فيرفع من يشاء ويسقط من حساب الشعر من يشاء ويهوى، فلا يعول على كلامه إذ يذوب الكلام مع نهاية الخطاب كما المطر الهاطل مع السحاب.

أما شربل زغيب فيقف على قمة جبل في غنى عن كل الكلام وما فيه من مديح وما يعتريه من خصام، هو الرائي الواقف على قمة جبل الزمان، رائدًا راصدًا رقيبًا لأحوال الدنيا ، ما عليها وما فيها وما يعتريها من تقلبات.

شعر شربل زغيب في ذاته الداخلية الكبرى أن للزمن فلسفة خاصة ليت الوقت فيها له مداركه أو نفهمه على الأقل فيقول:

لو كنت شايف هالدني كمشة

والشمس ع خد السما نمشي

والهم قهر وحزن بيزيدك

وعندك الساعة وقفت بإيدك

يا صاحبي في وقت عم يمشي

إيقاع الزمن هو مثل عجلة جبّارة تجتاح الأخضر واليابس، كما قال ذات يوم الفيلسوف هيغل. شعر شربل زغيب بثقل القدر وأدرك أنه يحمل على منكبيه أمانة كبرى، فهو صوت الحق والمنطق يلهج بما يراه وما يشعر به، وكأنه صوت الله على الأرض. وهو بذلك يفوق أناسًا كثرًا يدّعون تمثيل الألوهة وهم ينتحلون صفة، كأنهم يحملون صك الشعر ممهورًا من قُدس الأقداس، بيد أن صكوكهم مزوّرة والشاعر الحقيقي هو الأصيل، يقول شربل زغيب في هذا الصدد:

الشاعر الناس بيقصدو عينو

لو تعوكرت ما في حدا ملا

وكل ما بيجرح بالشعر عينو

بيصير بالأفكار يتعلا

وما في حدا بيوفيلو دينو

إن رخص كلام الشعر أو غلا

ناسك ما فيها تنيمو عينو

قلقان يمكن بعد ما صلا

وشو الفرق بين الناسك وبينو

تنيناتهن بيحاورو الله…

هذا الكلام يثبت أن الشاعر الحقيقي يمتلك صكًا حول موهبة عالية ربانية ، ولا منّة لأحد عليه، هكذا هو شربل زغيب التقط كلمته. من ربوع حراجل بلدة من معدنها خرج الرجال الأوائل، ونبت الشعر من غلال الشعراء الأفاضل .

الشاعر شربل زغيب والشاعرة آمنة ناصر

 

والشعر لدى شربل مكانة ما بعدها مكانة ، لدرجة أنه يخاطبه ككائن علوي رفيع وخالد:

يا شعر منك عم تجي عالبال

شو صاير هيك مغير الأحوال

عطول عم نسأل يا غالي عليك

عالقليلي طل عنا سآل..

شربل زغيب يخاطب أيضا الأشواق ويقف مُتأملا عبور الحنين على عتبة العمر، وما في ذلك من مشاعر تجاه الحبيبة والأماكن التي تحمل عطور الحب والألفة واللحظات الحميمة فيقول:

يا بيتها لبيطل عالوادي

يا ما حرقت قلوب صيادي

بحجة بيجو ويمرقو حدك

عسطيحتك ت تطل وتنادي

يطرطش الخردق يلمسو لخدك

مثل البرد لبيوت قرادي

ومرة مرقت يا بيت من حدك

طلعت اطلب من الحلوي مي

وشوف الحلا لبعيونها زيادة.

ويزيد أيضا :

هونيك في شجرة ع جنب البيت

مرقت أوقف حدها و يا ريت

مرقو سنين الحب ببالي

وأكثر ما حنو غصونها حنيت

لما شافوني كنت لحالي

سلمت صابيعي لها مديت

قلتلها كلمات ببالي

وصرت اتنهد عالسكيت

فهمت وحست على حالي

وبعبها صار الهوا يقلي

الأيام ذكرى لو رحت فليت

وبرمت ضهري ورحت ما رديت.

يبقى شربل زغيب واحدا من هؤلاء الشعراء، حاملا رافعة الشعر بهدوء وتبصر ، يرصع القصيدة بترهب وأناة، يرتفع مع صوت الحق فيرفعه إلى مصاف الفن الراقي بعيدا عن المهاترات والتسويف والكلام المعاد الممجوج الذي لا ينفع مهما تكرر، أدرك أن في الحياة سرا لا يمكن تفكيك ألغازه سوى بالتأمل والشعر الشجاع الصريح:

وراق الشجر تشرين نشف دمها

شبهتها من بعيد لاحت مثل ايد

مثل كأنو عم تودع أمها

عملت حساب الريح اخدها بعيد…

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *