الرصيف

Views: 301

د. جان توما

منذ استباحت السياراتُ الرصيفَ الآمن للمشاة سقطتِ المدينة، ولما تحوّل الريفُ عن ريفيّته سقطَت موارد الوطن.

تداخلتِ البدايات، وفقدَ المسؤولون البوصلةَ، وراحَ المواطنون يبحثون عن رصيف، ولو بحريّ، آمن، فلم يقعوا إلّا على بحرٍ واسعٍ متقلّب، وسماءٍ واسعةٍ متوجّعة،كأنّ اتساعَ الموجِ المضطربِ ما أبقى مرساةَ استقرارٍ، ولا هدأة أفق.

لكأنّنا نعيشُ ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ، فيما نحن نعيشُ في عبّارة، أو عوّامة لا اتزان فيها، تتأرجحُ على أنفاسِ الموج، فلا ثبات ولا أمان، كما أبطالها خارج الأرضِ الثابتة، وفي تمزّق في مجتمعٍ موجِعٍ، وفي دواخل حَراك لا يُسمن ولا يغني من جوع ليبقى ثرثرة على ثرثرة، من دون حلول. وإذا كان نجيب محفوظ هجر عوّامته ،بعدما عاش في إحداها مدة 25 عامًا،  يوم شهد غرق طفلة سقطت من نافذة عوّامة أبيها، فإنّنا نحن باقون فيها، نشهد غرقنا من شقوقها المتكاثرة، فيما تتفسّخُ السفينةُ في انهيارٍ متهالك، حتّى زوارق الإنقاذ صادروها وباعوها خردة.

دخلنا عالمًا من الظنون وقد لا ينقذنا إلّا الحكام الفلاسفة، أولئك الذين يستطيعون فكّ قيودهم فيتعرفون إلى الحقيقة كاملة، لأنّهم يعيشون وفقا لعقولهم. إنّ هؤلاء، برأي أفلاطون، هم من يدركون الخير  للدّولة والشعب.

تختلف زوارق العمر في مواقيت إبحارها، وتتنوّع حِكَمُ ربابنتها، لكنّ الشراع يفرح حين تُقبّل الريح وجهه لأوّل مرّة، فيغنّي مع البحارة سفر المووايلْ، مضيئًا القناديلْ،  ومخبّئّا دمع الوداعِ في ثنايا المناديلْ.

***

*اللوحة لشاطئ الميناء للفنان زياد غالب

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *