بين ثقة ومُكابرة…

Views: 290

لميا أ. و. الدويهي

ما بال الإنسان لا يُميِّز بين الثِّقة والمكابرة العمياء؟…

مَن قال بأنَّ معرفتَنا القليلة واليسيرة هي كثيرة فيما نحنُ عن صُغرياتِ الأمور في نفوسِنا غافلون؟…

نكبر، ننضُج، نختبر، نفشل، ننجح، نتألَّم، نفرح، نخطِّط، نُنفِّذ…، وفي الجُعبةِ أفعالٌ أُخرى لا تنتهي… أنا أرى بأنَّهُ كلَّما زادت خِبرتُنا، كلمَّا عرفنا كم نحنُ لا نعرفُ شيئًا، ولا أستعملُ تعبيرَ «نجهلُ»، لأنَّ بعضًا من المعرفةِ يجعلُنا نُدرِكُ حجمَنا وقلَّةَ معرفتِنا…

نعم قد بلغنا، ونحنُ على قابِ قَوسينِ من أن نُصبحَ الأكبر، أي، بالمبدأ، أصحابَ الحكمة… ولكن مَن قالَ بأنَّ الحكمةَ هي حتمًا حكرٌ على الأكبرِ سِنًّا؟…

إنَّ الحكمةَ هي مُلكٌ للمتواضعين، الذين لا يرفعون ذواتهم فوق مقدراتهم بل يضعونها تحتَ سقفِ الخالق ويُدركونَ بأنَّ الخالق هو المانح الكلَّ على قدرِ المساواة، إلَّا أنَّ كلًّا منَّا يسعى لتطوير ما يراهُ مُناسبًا في ذاته، ولا أقصد المواهب، فلكلٍّ منَّا مواهبهُ الخاصَّة، وإنَّما أقصدُ العطايا التي تُعطى للكلّ، من فكرٍ وإنسانيَّة وعاطفة وإحساس بالآخر، عطايا هي ثمارٌ للروح يقطفها مَن استثمرَ مواهبَ الرُّوحِ في حياتِه…

لستُ بواردِ إلقاء أيَّ نوعٍ من المُحاضرات أو الوعظات، ولكنِّي أودُّ تسليطَ الضؤ على نواقصنا التي نختالُ فيها كالطاووس ونرفعُ أنفسنا إلى مراتبَ تجعلنا ننحدر، لأنَّنا ننطلقُ باتِّجاه الآخرين من مُنطلق الأنا وليس من منطلق مَن هو الآخر أمامنا…

نحتاجُ إلى قوَّةٍ جبَّارة بها نبلغُ الآخرين وهي بالوقت عينهِ قوَّة نمتلكها، فقط إن عرفنا كيف نُفعِّل العطايا والنِّعم التي مُنِحناها مجَّانًا…

رؤيتنا لا تجعلنا دومًا قادرين على تمييز مُختلف الزوايا في الوقت عينِه، وهذه الرؤية قد تغشُّنا، فلمَ استباقِ الأمور وفرضِ إيقاعاتٍ لا تلائم أجواءَ الآخرين…

لا أفهم كيف يمتلكُ البعض الجُرأة للحكمِ في شؤونِ الآخرين ونحن إذا نظرنا عن كثب في أمورهم، لوجدناها مُعقَّدة وغير قابلة للحل…

الإنسان الغير المُنكفئ عن التدخُّل في شؤونِ الآخرين والتنظير والتعليق وكأنَّه الخبير في كلِّ التَّفاصيل، لهو إنسانٌ لا يمتلكُ من الحكمةِ قدرًا ولا من الوعي عُمقًا ولا من الخبرةِ قيمةً ولا من الحياةِ لونًا، وإلَّا لاكتفى بالعيشِ بسلام بعيدًا عن أبراجِ مُراقبةِ حياة الآخرين التي لا تمتُّ بصلةٍ إلى شخصهِ وذاتِه وعُمقِهِ وحياته…

 ٢٦ /١ /٢٠٢٢

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *