صراع بين العلم والجهل في مجتمعات اليوم!

Views: 295

أنطوان يزبك

يلاحظ كثر كيف أن الجهل يزحف بخطى سريعة، ملتهما كل شيء في طريقه، فيأتي على ما استغرقت الحضارة البشرية، آلاف السنين في بنائه خصوصا في مجالات العلم والتربية والأخلاق وأصول معرفة الخير والشرّ. وبتنا نعيش في دوّامات، من الفوضى البشرية، الذهنية والمجتمعية.

كم من صديق فاتحني بما يجول في سريرته وما تلهج به أفكاره من سخط وقرف مما وصلنا إليه، ورغبته في استعادة ولو شذرات من الماضي الاثيل في حركة استعادة الذكريات الجميلة والطفولة البعيدة، وحتى البحث في صور الأهل والأجداد بالأبيض والأسود من بدايات ومنتصف القرن الماضي!

أجل هو الحنين يطرق أبواب الجنة الساقطة، نعيم متخيّل مركون في ماض ما لم يكن حتى وكل ذلك في مواجهة هذا الجهل الزاحف في تمدده، حرب الميديا الحديثة التي اكلت عقلانية طوينا العصور في تجميعها…

يقول غيّوم ميسّو Guillaume Musso في روايته: الحياة رواية، صادرة منذ سنوات ثلاث لا أكثر؛ إن جيل اليوم لا يقرأ من الرواية شيئًا، بل يهمه الكاتب وسيرته على مواقع التواصل وما إذا كان متزوجا أو تركته زوجته أو بدّل من هندامه أو غيّر تسريحة شعره أو غيرها من الأخبار التي لا تفيد، وصولا إلى معرفة أين يسهر أو أين يقضي عطلته الصيفية!

وفي المدارس وصروح العلم والتربية والأخلاق يلاحظ أساتذة الإنسانيات مدى اهتمام طلابهم بالقشور والتفاهات لكي يتهرّبوا من طرح المسائل الجدية المتعلقة بالحياة والمصير. وهذا السلوك يدمّر العلاقة بين الأستاذ والتلميذ ويؤخذ على الأستاذ عصبيّته وعدم اتساع صدره وهل من أسوأ من جهل ينمو أمام عيني الأستاذ ولا يستطيع ردعه:

من السهل تصوير غضب الأستاذ بعد استفزازه، لكن من المستحيل تصوير حجم الجهل الذي يحاربه. هذه الجملة تصوّر حقيقة هذا الجهل الغاشم المقبل كما الجراد ليلتهم كلّ شيء.

ومن المؤسف أن الجاهل هو من يملك بيده زمام الأمور ويدعي المعرفة وامتلاك الحقيقة وأنه على حق. يقول جورج برنارد شو: انتبه إن ادعاء المعرفة أشدّ خطرا من الجهل!

وكم يكثر مدّعو المعرفة في أروقة المدارس والمعاهد، اساتذة اعتقدوا ان بإمكانهم مجاراة الظروف بنصف المنهج ونصف ألعلوم ونصف المعرفة، يدرّسون السهل المستطاب ويستبعدون الصعب ولكنه الضروري لأن ذلك يراعي مقتضى الحال ويواكب الظروف وهنا نتذكر ما قاله غوته:

ليس أسوأ من معلّم لا يعرف سوى ما يحب أن يعرفه تلاميذه.!..

لقد ارتكبت جرائم كبرى في حق الشعوب وتعرضت لكل انواع الإبادات والسموم والقنابل الذرية وإتلاف البيئة، لكن حرق الثقافة وتخريبها من أكبر الجرائم واعنفها.  يقول المعلم الأكبر أرسطو: “يختلف  المتعلم عن الجاهل بقدر اختلاف الحي عن الميت”!

ومع الأسف الشديد تتابع حضارة اليوم بحثها عن الحي وسط الأموات…

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *