هذه أنا 

Views: 295

د.  سمر الشامسي

قالوا قديماً  إن قوة المرأة في ضعفها، وأكررها حديثاً بأن ضعف المرأة هو مكمن قوتها، فهي ذلك المخلوق العجيب الذي يمثل داخلها خريطة ذات تضاريس معجزة، لا يستطيع كائن من كان أن يستكشف دروبها وسبلها، فهي الماء في عذوبته يروي الظمأ ويعيد الروح للجسد، هي الهواء الذي تتنفسه الأمم، هي المعلم الذي يغرس القيم والمبادئ، هي المربي الأول لبني الإنسان لا ينكر فضلها إلا جاحد. 

وبما أن الأصل في الإنسان الصلاح والفطرة السليمة، فلا يناظرن أحد بمقارنة النساء ببعضهن أو عصر بعصر، فتعلمنا قديماً أنه لا يقاس على شواذ القواعد، فكم من امرأة تحملت أعباء الحياة وغدر بها سكان الزمان وتركها وسط ذئاب البشر، ومع ذلك صمدت وجاهدت وكافحت ووصلت بمن تعول إلى مرسى الأمان وشاطئ السكون، وتخرج من تحت يدها أناس قادوا العالم والدنيا بأثرها، تلك هي الضعيفة القوية لا تهزها عواصف ولا تهزمها جيوش اليأس. 

هي التي تعشق من جوفها، وتستطيع ترميم جروح الآخرين ويظل جرحها مفتوحاً، تمنح القوة لمن حولها وهي على شفير الهاوية، لديها فراسة تفسر التصرفات وتقرأ العيون، تلمح الدموع قبل أن تهبط على الوجنات، تظل دائماً للجميع وليس لها أحد، هي التي ترتدي آلامها كالثياب الأنيق ومهما ضاق وتألمت منه إلا أنه يعطيها إطلالة رائعة، هي التي تجمع أشلاء جروحها وتصنع منها كعكة لتواجه بها قسوة الأيام، لا تعرف مستحيلاً وتصير أظافرها سلاحاً فتاكاً لمن أراد إيذاءها.

 هي التي تبث روح الحياة في أفئدة البائسين، ترسل إشارات الأمل في نفوس اليائسين، وكأن لسان حالها يقول، أنا السمر في ليل الشتاء، أنا الوصال في زمن الضياع، أنا المرسى على ضفاف النهر مهما هاجت الأمواج، أنا القمر المضيء دليلاً للتائهين في عصر الغربة، أنا الشمس الساطعة بدفئها في وقت الوحدة، أنا القلب الحاني والأيادي الحامية والعيون الساهرة في الليل البهيم، أنا السماء الممطرة بقطرات الندى على غصون الحياة.

أنا الجبل الساتر أخفي بداخلي ثروات الأمم وكنوز الدنيا، أنا البحر والمحيط التي تتوه بظلماتي مآسي البشر، أنا الماء النقي أروي ظمأ العطشى وأغسل أتربة الإحباط لتزول الكآبة عن الوجوه، أنا الأمل الذي ينبض بأفئدة الحيارى ليمنحهم هناء العيش من جديد، فإذا كنتم تبحثون عن قوتي فهذه أنا. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *