الحلقة التاسعة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول
“للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)
يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…
كابي
(٩)
وصل حنا الى داره مُنهكًا وثيابه مبلولة فنصحته زوجته بأخذ حمّام ساخن كي لا يُصاب بنزلة صدرية.
– أدركتُ أنَّك كنت في المرسى البحري تساعد أخاك في رفع المركب الى البرّ. فأنا أعرفك جيّدًا يا حنا. قلبك ممتلئ بالحنان والعطاء فلا تخشى شيئًا، لأنه كما يقول المزمور “لأن الله معنا”.
– أتعلمين يا أمّ بحر أين كنت قبل الذهاب الى المرسى؟
– عند حليم.
– كلا في منزل أخي.
– هل ذهبت إليه طالبًا المساعدة؟
– نعم.
– ورفض.
– نعم.
– ألم أقل لك إنّ قلبك ممتلئ بالحنان. هو رفض وأنت لم تقوَ على تركه وحيدًا في رفع المركب من البحر.
– إنّه أخي البكر وابن أبي وأمّي.
– هذا ما أحبّه فيك يا رجل. تحمل الله في قلبك وتتغاضى عن كلّ إساءة. فلا تَخف لأن الله معنا. ألم تذهب الى حليم؟
– بلى ذهبت إليه وأبلغته بأنني قبلت عرض حسيب. ولكن…
– يا حنا لقد فكّرت في الأمر منذ البداية ولم تسمع كلامي. حين تتوجه الى المدينة في المرّة المقبلة، ستحمل معك “مبرومتي” (سوار من الذهب من العيار الثقيل مجدول بحرفية الصائغ تقتنيه عادة نساء القرى) وتبيعها في سوق الصاغة في المدينة. لا تفوّت فرصة اكتساب مهنة جديدة. فكِّر في مستقبل ولدنا عليك أن تؤمّن له مستقبلاً أفضل من الواقع الذي نعيش فيه.
(يتبع السبت المقبل)
***
*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء