أمين الذيب وومضة تأسيس ملتقى الأدب الوجيز*

Views: 550

سليمان بختي

كان بإمكان أمين الذيب أن يمضي نحو التلال بلا غيوم ولا مطر ولا بروق. ولكنه قال في ديوانه “الومضة “: ” سأعبر من خرم إبرة إلى رحابة المعنى”. ومن القليل إلى الكثيف. لم يترك أمين الذيب للأحلام أن تزوره في المنام بل إختار تلك الأحلام التي تجعله لا ينام. ومن أحلامه الأثيرة تلك أن يؤسس ملتقى الأدب الوجيز بما يشبه علاقة الشاعر بالقصيدة. نادرا ما رأينا في تاريخنا الأدبي في بلادنا مثالا يشبهه، يؤسس حركة تجديدية في الأدب ويصر على العمل المشترك ويبني على هذا المشترك مع الآخرين. هذه الغيرية نادرة في بلادنا. كان مساره أن  يتقدم الحدث في مسار تقدم إنساني حضاري ثقافي متكامل وعدته في ذلك عدة المثقف الملتزم بقضايا أمته، والذي ينقد الواقع لأجل تجاوزه وتغييره. وبذلك أحس أمين الذيب أنه في تمهيده وتأسيسه لملتقى الأدب الوجيز، وفي تفعيله للعمل من خلال اللقاءات في بيروت والمؤتمرات في دمشق وتونس فإنما يطرح المشروع على همته وشغفه وعلى همة الآخرين وشغفهم كذلك.

لطالما كانت الحركات التجديدية في الفكر والأدب والفن تستبق حركة المجتمع نفسه لأن الحدس والكينونة عند الشاعر والفنان وألأديب تمكنه من الرؤية ومن التنبه وأستشعار عمق الأزمة وكيفية الإنتقال من القوة الى الفعل ومن النظرية الى التطبيق.

 

بحث أمين الذيب بعمق عن مرتكزات ومفاهيم، وبحث أيضا عن الموقف من الحياة والإنسان والوجود والعالم. وتأكد له أن الموقف ثمنه روح جديدة وفكر جديد وإنسان جديد في الحياة والإجتماع والأدب. وأيضا مغامرة مختلفة عن الذي مضى وتأتلف مع الآتي. مغامرة بلاغة الشكل والمعنى في القليل الموجز من الكلمات، وذلك القليل نطلب بحسب الصوفيين. رفع أمين الذيب السؤال القديم – الجديد: كيف تستعيد الأمة حيوتها وتعود الى ينابيعها وتنفض عنها الموات وغبار العدم؟ كيف تسترد عافية الروح والوجدان من خلال العلاقة بالكلمة؟ كيف يعود النقد الى ممارسة دوره الفعال؟ نقد الأدب والفن والمجتمع والممارسات والسياسة والحضارة. النقد الذي يعني أن العقل في تمامه وفي أبهى تجلياته. حاول أمين الذيب أن يسترد الأمل بالعمل بالجمال بالفن ولكنه عمل تأسيسي ثوروي بليغ المعنى ولا يشبه سوى ما جرى وما حدث بين الشاعر والقصيدة. أحلى ما في الحياة أن ترى الآمال تتحقق في رؤية هذا المجتمع ينهض ويتقدم. أحلى ما في الحياة أن تستمر الأحلام وتتحقق رغم غياب أصحابها. وكأن روح أمين الذيب تستأنف نشأتها مع كل أحلام الأبرار والأحرار والأنقياء في هذا العالم.

***

* ألقيت في إطار ندوة تكريم الراحل أمين الذيب في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 63.  

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *