المأسويُّ وتخطِّيه! قراءة في لوحات الشاعر والفنان التشكيلي أدهم الدمشقي

Views: 365

د. ربيعة أبي فاضل

حضرتُ، في 12 نيسان 2022، افتتاحَ مَعرِضِ “عَبيط”، لأدهم الدّمشقي، في غاليري EXODE، الأشرفيّة. تأمّلتُ اللّوحات الثّلاثين، ثلاث مرّاتٍ، وطلبتُ من كريستيان – مديرة الغاليري، أن تَسمَحَ بتصوير لوحتين، فكانت راقية في تعاونها. طرحتُ، من بعدُ، ثلاثةَ أسئلةٍ: ما مَعنى كلمة عَبيط “ABEET”؟ لَمَ يُغامرُ أدهم، ومعهُ الفنّ، في هذا الزّمانِ المَيِّت؟ وما الانطباعُ الذي انزرعَ في الذّات؟ 

الجذرُ عَبط يعني سلَّةَ معانٍ منها: النَّحرُ، والاغتياب، والحفرُ، والنّفاق، والانخراط في الحرب، وإرهاق الآخر، وإحاطته بالصّدمات، وشقُّهُ، واختطافُ روحه… 

والعبيطُ هي الذّبيحةُ تُنحَرُ من غيرِ علّة، وهي أيضًا، الدّمُ الطريُّ. كلّ ذلكَ متّصلٌ، كيانيًّا، وفي وعيِ الفنّان، ولاوعيه، وفي مُحيطِهِ، بتفجيرِ المرفأ، وما ولّدَ من ويلاتٍ، وأزماتٍ، وتداعياتٍ، طوّحت اللبنانيّينَ تطويحًا، وضربت الحقَّ بعصا الخبثِ والضّلال. 

 

ولا شكَّ لديَّ في أنَّ أدهم الفنّان قرَّرَ جَبهَ الحالِ بطريقتِهِ الفنّيّة المُبدعة. فالفنُّ، كما عندَ نيتشه، كامو، وأدهم، يمنحُ الحياةَ معنًى، عندما تتلاشى المعاني، ويأتي اللونُ، والإيقاعُ ومعهما الموسيقى، لتحويل المأسويِّ إلى عزيمة، والصّمت السيزيفيّ إلى ثورة. هذه الطّاقة على التّحدّي، والتّصدّي، والتّخطّي، شاركَ في تجلّياتها، “غودو”، الكلب الساخر، المُتعالي وهو يهتزُّ من نزِّ الجراح، لكنّه لا يقعُ، ويحلمُ بفضحِ لامُبالاة أبناء إبليس!

وتذكّرتُ، خلالَ تأمّلي، دادا، وإلوار، وأراغون، وقبلهم رامبو، كيف جبهوا الذين مزّقوا عصرهم، ودمّروه، لاجئين إلى جنون الفنّ لتغيير الحياة، ومنطقها البارد، السائد، فكانت فضاءاتٌ جديدة للجمال، والحقيقة، والخير، والحريّة، والحب، والشّعر، والفنون…

ولم ينضب لاوعيهم وهُم يصرخون، ويواجهون، كما واجه قبلهم، أبو العلاء المعرّي. كان السّورياليّون قالوا للغرب: “أنتَ تُسرعُ تلقائيًّا، نحوَ موتِكَ!”، وقالَ أبو العلاء لولاتنا: 

“عَبيطُ ضَوائِنٍ نَحيرُ جُزرِ   عَلى مَن أَيُّها الإِنسانُ تَزري

وُلاةُ العالَمينَ ذِئابُ خَتْلٍ       تَكونُ مِنَ الشَقاءِ رُعاةَ فِزرِ” 

 

يذبحونَ النّاسَ كالغنمِ، وهم ذئابٌ يرعونَ القطيع، ويتطاولونَ على مخلوقاتِ الله.

نعم يا صديقي أدهم، أعرفُ أنّكَ من هذه الطّبقة المُختارة التي تسعى لجعلِ الأرض ابنةَ الجمال بدلًا من أن تكونَ ضحيَّةَ البشاعات!

 

   

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *