مناهجنا التعليمية تهمل كنوزا معرفية لا تثمنّ!

Views: 282

أنطوان يزبك

لكي تغيروا المجتمع ينبغي أولا ، أن تغيروا العقليات السائدة فيه عن طريق التعليم والتثقيف والتهذيب(إيمانويل كانط).

لا حاجة إلى القول إن هذه الخاطرة التي جرت على لسان الفيلسوف الألماني كانط ، هي مفتاح كل علم ومعرفة في المجتمعات الناهضة المتشوقة إلى التقدم والتطور والنجاح.

ولكن يبقى الألم المضني والعتب الشديد ينغرزان بين الضلوع؛ في ما حلّ بنا حين ندرك مدى فداحة وجهل واستهتار وتقصير كل من أعد واشترك في عملية وضع المناهج التربوية في لبنان؛ خاصة في مجال العلوم الإنسانية من أدب وفلسفة وتاريخ وعلوم اجتماع!..وذلك من بداية ظهور المناهج وحتى يومنا هذا والاستهتار مستمر من دون هوادة، لا أحد يعبأ أو يهتم بتقويم الاعوجاج!

ليعلم القوم أن في لبنان كنوزا واعلاما ومفكرين تدرّس أفكارهم وتعاليمهم في جامعات وكليات ومعاهد ومدارس الكون بأسره، وعندنا في حال ذكروا ، يكون ذلك بخجل شديد أو في نصوص مدرسية سطحية عادية لا ترتقي إلى  واحد بالمئة من فكرهم واهميتهم!

من جيل التلامذة الجدد من يذكر مثلا أمين الريحاني ومن يتعرف عليه، ومن يعرف انه من كبار فلاسفة علم السياسة الحديثة، من يذكر جملته الشهيرة: “كلماتنا ستدك جدران السجون وتضيء للموتى منازلهم، وتكتسح الطغاة بحروفها المتوهجات”.

هل يذكر هذه الكلمات من يعتبر نفسه انه من دعاة  الثورة وهو لا يمتّ إلى الثورة والثوار بصلة، لا يجيدون سوى الفوضى والطمع والخساسة والاحتيال وصولا إلى الجريمة والعنف والتخريب المقنع!

أمين الريحاني مستشار الملوك وأول فيلسوف مشرقي في علم السياسة الحديثة وفن الدبلوماسية،  عاش في الغرب وأدرك مضامين سياسة العالم الغربي ودهاليزها والاعيبها ومدى تأثيرها على العالم العربي.

من يقرأ مؤلفات الريحاني السياسية يدرك أهمية هذا الرجل الفذّ في أيامنا الحاضرة لا سيما “كتاب خالد” الذي سبق فيه كتابا معاصرين من أمثال جورج أورويل وراي برادبوري وألدوس هاكسلي وريتشارد باروز… لدينا من المفكرين ما يكفينا لكي نوزع على العالم من لدن معرفتهم ووسع فكرهم ونفاذه، يقول ميخائيل نعيمة: “السلام لا يولد في المؤتمرات الدولية، بل في قلوب الناس وأفكارهم”!

هذه القلوب التي لم يجهد أحد في بلادنا أن يكتسبها ، ولم يقم مسؤول ضنين على مستقبل الأجيال،  بأي مجهود لتوعية  هذه الأفكار وتنقيتها، علما ان فلسفة ميخائيل نعيمة حية تكفي إلى دهور وأجيال!…

نلاحظ أن في كتبنا المدرسية نصوصا لجبران خليل جبران عابقة بالرومنسية والشاعرية  والحنو والعذوبة والطهرانية، حتى يخال للقارئ الفتي أن جبران ملاك من نور هوى من محيط طهراني، أو انحدر من الفردوس، وفي نصوص أخرى يبدو أمير الكآبة والقهر والسويداء والنوستالجيا والحزن والتباكي، فلا يدرك الطلاب في غياب الشارح المثقف والأستاذ المرشد  أن جبران كان من أشرس المدافعين عن حقوق أمته وأبناء جلدته وأعتى  المناضلين في سبيل الحرية والتحرر، وهو القائل:

يا ايهذا الوطن المفدّى

تلق بشرا وتحلّ السعدا

لم يرجع العيد مريبا انّما

أراب قوم منك ضلوا القصدا

يا عيد ذكر من تناسى أننا

لم نك من آبقة العبدا..

آلاف النصوص والمواقف والقصائد ،  من الواجب أن يدخلها القيمون إلى  المناهج التربويةّ التعليمية، في صيغتها الإنسانية ، الفكرية، الفلسفية الحداثية والتعليمية، علّ الأجيال المقبلة تدرك أهمية الفكر والثقافة في هذه النقطة من العالم، وليس سرّا أن الحضارات الأخرى اعترفت بعجزها وانحدارها في مجالات عدة وخاصة في التربية والتعليم. يقول أندريه مالرو: “إن حضارتنا التي عجزت عن بناء معبد أو ضريح، وهي قادرة ان  تعلمنا كل شيء باستثناء ان نصبح بشرا، بدأت تعترف بأنها تعاني من أزمات عميقة”!

إذا العالم المتحضر اعترف بفشله، علينا أن نحذو حذوه ونبدأ باستغلال عقولنا وثقافتنا برفع تراب النسيان عنها وتنظيف غبار الإهمال عن أفكار أعلامنا وعظمائنا!..

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *