الحلقة الرابعة والعشرون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 602

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

كابي

(٢٤)

وجد حنا ضالّته في الآلة المطبعية موضوع الاختبار. فهو اعتاد العمل عليها بعد أن قام مالكو المطبعة بشراء مثيلة لها منذ سنة تقريبًا. وقد خضع لتدريبات جعتله يعمل عليها من دون صعوبات.

بعد إتمام الاختبار انتظر حنا مع المختبَرين الآخرين قرار الإدارة، في مكتب الاستقبال. كان مدير المطبعة يستدعي كل شخص بمفرده ليبلغه بقرار الاستخدام من عدمه.

تمّ استدعاء حنا فدخل الى مكتب مساعدة المدير، التي طرحت عليه بعض الأسئلة الروتينية. ثم وقفت لترشد حنا الى مكتب المدير، وكان ينظر إليها بخفر لشدّة جمالها ولكونها ترتدي ثيابًا كانت في عرف حنا فاضحة وتميل الى العري مقارنة بلباس سيدات القرية  وبناتها وحتى سيدات وبنات عاصمة المحافظة.

دخل حنا مكتب المدير فبادره الأخير بالسؤال عن مكان عمله الحالي وطلب أن يحدثه عن كيفية اكتساب خبراته في العمل على الماكينة التي أختُبِر فيها.

            ⁃  مبروك لقد تمّ استخدامك. لديك مهلة شهر واحد للالتحاق بالعمل. يمكنك الحصول على التفاصيل من مكتب الاستخدام.

حاول حنا الاستفسار أكثر، غير أن المدير كان على عجلة من أمره وقليل الكلام. اذهب الى مكتب الاستخدام في الطابق الأول، قال المدير.

نزل حنا الى مكتب الاستخدام وملأ استمارة ببياناته الشخصية واختار خانة السكن في غرف عمال المطبعة.

            ⁃   لم تسأل عن الأجر يا رجل.

            ⁃   الأجر مكتوب في إحدى خانات الاستمارة.

            ⁃  هل تقبل به؟

            ⁃  الحمدلله على نعمته.

            ⁃   لديك مهلة شهر للالتحاق بالعمل لكن عليك أن تبلغنا بنيتك هذه قبل انقضاء المهلة.

            ⁃   إن شاء الله.

خرج حنا من المطبعة بشعور من الحزن والخوف. لقد أصبح الأمر واقعًا لا محالة، ووجد نفسه مشتتًا ما بين الاستفادة من الأجر الممتاز مقارنة بأجره الحالي، والغربة التي تنتظره في العاصمة.

(يتبع غدا)

***

 

*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *