“الحراك المطلبي: هل يستعيد ما أفقدتهُ الأزمات؟”

Views: 127

إعداد: د. مصطفى الحلوة

 

في إطار مقاربةِ قضايا وإشكاليات، غير مرتبطة بلحظتها، بل ذات امتدادٍ وتداعيات بعيدة المدى، نظَّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، بالتعاون مع مؤسسة “Hanns Seidel” الألمانية، ورشة تفكير ونقاش، بعنوان:”الحراك المطلبي : هل يستعيد ما أفقدتهُ الأزمات؟”، وذلك في جبيل (قاعة المحاضرات 1188)، يومَي 6 و7 أيار 2022.

تكلّم في الجلسة الافتتاحية رئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره، المسؤول الإقليمي لـِ”هانز زايدل” السيد كريستوف دوفارتس ( من الأردن عبر تقنيّة Zoom)، ومُنسِّق أعمال الورشة د. علي خليفة.

أعقبَ الجلسة الافتتاحية ستُّ جلسات عمل، قاربت العناوين الآتية: ظروف الحراك المطلبي والتغيير المنشود/ نقابات منتفضة من أجل التغيير/ القطاع الخاص والقطاع العام في ظلّ الأزمة: هموم ومعالجات/ الحراك المطلبي في الفضاء الرقمي/ الحراك المطلبي في التربية والتعليم/ من التحرك إلى التغيير المنشود والتعافي.

وقد كان للجلسة الأخيرة أن تتوقّف مليًّا عند العلاقة الجدلية بين الحراك المطلبي وبين التغيير السياسي والاجتماعي، مع رصد عوامل النجاح والفشل، ومستعرضةً تجارب مُنتقاة ودروسًا مُستعادة للتعافي.

إشارةٌ إلى أن الجلسات الستّ تضمَّنت عشر مداخلات، تعاقب على تقديمها: المهندس شوقي الفخري، أ. نجوى إبراهيم، د. علي وزاني، أ. وائلة نعمة، أ. سارة غندور، أ. مي طربيه، أ. كريم صفي الدين، أ. رنا شمص، أ. ريما عقيل، د. علي خليفة.

تميّزت الورشة بحضور طالبي جامعي واسع، إلى ناشطين في المجتمع المدني، ومرشّحين للانتخابات النيابية، ومهتمين. وفي نهاية الورشة، تمّ توزيع شهادات مشاركة على مجموعةٍ من الطالبات والطلاب الجامعيين. وقد خلصت أعمال الورشة إلى الأسئلة/ الهواجس، والرؤى والتوصيات، التي حوتها المحاور الثلاثة الآتية:

 

أولاً- الحراك المطلبي وما أفقدتهُ الأزمات/ أسئلة وهواجس

تأتي الانتخابات النيابية للعام 2022 لتُشكّل محطة نموذجية لمراجعة نقدية، نتعرّف عبرها إلى ما آلَ إليه الحراك المطلبي (17 تشرين أول 2019)، الذي عُلِّقت عليه آمالٌ عريضة، لتغيير المعادلة السياسية والعبور إلى لبنان جديد. لكن من أسفٍ، لم يُقدَّر للحراكيِّين تثمير هذا الاستحقاق الدستوري، إذْ راحوا إلى حالةٍ من التشتُّت والتذرُّر، تمثَّلت في عدم القدرة على التوحُّد، أو أقلَّه التنسيق فيما بينهم، من خلال إطار جبهوي عام.

وإذْ لم  تتمكن قوى الحراك المتعدّدة من اعتماد برنامج عمل واحد، ولا التقدّم إلى الانتخابات ضمن لوائح موحّدة، على مستوى الجغرافيا اللبنانية، تتبنّى خطابًا سياسيًّا جامعًا، ولغة خطاب، بأبجدية واحدة، فإنَّ من الأهمية بمكان تطارح جُملةٍ من الأسئلة/ الهواجس، تتجاوز الاستحقاق الدستوري، إلى وضع ملفّ الحراك، بكلِّيتِهِ، على طاولة البحث، ربطًا بمختلف القضايا التي أثارتها المداخلات العشر، التي اندرجت تحت جلسات العمل الستّ، وأبرز هذه الأسئلة/ الهواجس هي الآتية:

  • من منطلق تحديد المفاهيم، وعدم الذهاب إلى سرديّات خاطئة، لنا أن نتساءل: هل ما شهدنا، اعتبارًا من 17 تشرين أول 2019، هو حراك مطلبي أم ثورة ، أو مجرّد حركة اعتراضية احتجاجية على النظام القائم؟
  • هل قُدِّر لهذه الحركة الاعتراضية تفكيك مؤسسات النظام، أم أن هذا النظام استطاع الصمود والمحافظة على مسيرة مؤسساته، التي بقيت متمتّعة بشرعيتها؟
  • هل استطاع الحراك الشعبي تحييد القوة القاهرة (أي القوى العسكرية وأجهزتها)، أو استمالتها إلى جانبه، وفي حال فشله في عمليتي التحييد والاستمالة، هل كان للقوى العسكرية أن تدافع عن النظام وتلجأ إلى العنف في مواجهة الحراكيين؟
  • هل كان للانتلجنسيا، المنضوية إلى الحراك، أن تتقدّم بتحليل علمي، مستندٍ إلى معطيات موضوعية ودقيقة، للأزمة اللبنانية، بمختلف أبعادها وتعقيداتها؟
  • هل شكّل الحراك قيادة عُليا له، بادرت إلى وضع خطط عملية، لمواجهة النظام السياسي القائم، وإحلال نظام بديل منه؟
  • هل ثمة تعويلٌ على دورٍ فاعل، تؤدِّيه الهيئات والأُطُر النقابية، على اختلافها (الاتحاد العمالي العام/ نقابات المهن الحرة/ نقابات المعلمين وروابطهم/ رابطة الأساتذة الجامعيين/ التنظيمات النقابية المستحدثة للقطاع العام/ التنظيمات الطالبية في الجامعات..)، في استنهاض الحراك المطلبي؟ علمًا أن هذه الأطر النقابية، بمعظمها تُعاني أوضاعًا غير صحيَّة وغير سليمة، فهي مُخترقة من قبل السلطة وأحزابها. وقد كان للأزمة العامة أن تُعمِّق من أوضاعها المتردّية. ناهيك عن الأعطاب البنيوية التي تفعل فعلها في الجسم النقابي، التي تحدّ من قدرته على الحركة والتأثير الإيجابي.
  • هل حراك القوى النقابية محكومٌ بسقف المطالبات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أم ينبغي أن تُعلي سقفها لتكون جزءًا فاعلاً في الحراك المطلبي العارم، وصولاً إلى إحداث التغيير السياسي المطلوب؟
  • تأسيسًا على ما سبق من أسئلة/ هواجس، التي تستبطن إجاباتٍ عن معظمها، هل يستطيع الحراك المطلبي، غداة الانتخابات النيابية، بعد التبصُّر في نتائجها، أن يلتقط أنفاسه، ويستعيد ديناميته، خاطًّا انطلاقةً جديدة واعدة؟ واستطرادًا، هل تُحفِّز هذه الانتخابات، بمعزلٍ عن النتائج التي ستُفضي إليها، على القيام بمراجعةٍ نقدية صارمة لمسار الحراك، خلال الشهور الثلاثين الماضية من عمره، متوقفًا عند نقاط القوة لديه ونقاط الضعف؟

ثانياً- الحراك المطلبي/ رؤى وثوابت

1-الحراك المطلبي (17 تشرين أول 2019) ليس بثورة، بحسب الباحثين في علم السياسة، فهو عبارة عن انتفاضة عفوية، استطاعت أن تُسقط جدار الخوف، وأن تخطو خطواتٍ واسعة في التأكيد على العيش الوطني الواحد بين مكوِّنات الشعب اللبناني.

2-من إيجابيات الحراك المطلبي، منحُهُ القوى النقابية زخمًا، تبدّى في انتخابات نقابة المحامين في بيروت، التي جرت، نهاية العام 2019، إذْ فاز مرشح “الثورة” النقيب ملحم خلف بأصوات كبيرة. وكذا الأمر لاحقًا في الانتخابات الطالبية الجامعية، مع الأندية العلمانية، التي حققت فوزًا كاسحًا، في عدد من الجامعات المرموقة. ناهيك عن خروج الاحتجاجات من الحرم الجامعي إلى الفضاءين الواقعي والرقمي، والانخراط في مختلف فعاليات الحراك.

3-المفكر الأميركي صموئيل هانتغتون حدّد في كتابه” الثورة والنظام السياسي” (Revolution and political order) ثلاثة شروط، لا بدّ أن تتوفّر، في أي حراك شعبي، كي  يرتقي إلى مصاف الثورة، وهي: تحلُّل المؤسسات التابعة للنظام القائم/ تقدُّم مجموعة جديدة، تطرح نفسها، كقيادة بديلة لهذا النظام/ طرح نظام سياسي جديد وقيم جديدة من قبل هذه المجموعة، تحلُّ محل النظام القديم وقيمه.

4-معظم تشكيلات الحراك توهّمت أن النظام السياسي قاب قوسين أو أدنى من السقوط. ولم يكن ليدورَ في خَلَدِها أن هذا النظام مُتجذِّر، ويمتلك قُدرات شتّى، تُمكِّنه من الصمود والمناورة، وإعادة التقاط الأنفاس.

5-في ظل الوضع، شديد التأزُّم، الذي تعيشه غالبية اللبنانيين (80% تحت خط الفقر، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP)، لم يعُدْ الحراك شأنًا مطلبيًا، بل غدا شأنًا سياسيًّا بامتياز. وإن لم يتمّ الوصول إلى صُنع القرار السياسي والسير به، فعبثًا يحاول الحراك، وهو يتمترس وراء المطالب المعيشية والاقتصادية الصِرفة، على أهميتها.

6-أزمة الحراك المطلبي تُردُّ إلى عوامل، يتداخل فيها الذاتي مع الموضوعي، هذا على المستوى الداخلي. إضافةًً إلى عوامل خارجية، إذْ كان لبعض دول الخارج منح النظام القائم درعَ التثبيت، مما فاقم من حالة التراجع التي يشهدها الحراك.

7-الأزمة المصيرية الوجودية، التي يُكابد اللبنانيون تداعياتها الكارثية، هي أزمة ذات وجهين: أزمة بنيوية دستورية، وأزمة إدارة فاسدة،  على المستوى الأخلاقي.

8-إن انهيار المؤسسات العامة، واحدةً تلو أخرى، يضع اللبنانيين أمام أسئلة مُقلقة، تتعلق بمصير لبنان والسلم الأهلي والاستقرار السياسي والاقتصادي.

9-هذه الأزمة المصيرية الوجودية هي من نتاج ما يُعرف بـ”الدولة الرخوة” (Soft State)، بحسب تعبير الاقتصادي السويدي “Gunnar Myrdal” (جائزة نوبل 1974)، هي الدولة التي تضع القوانين ولا تُطبّقها(..) دولة تشجع على الفساد في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وصولاً إلى القضاء والجامعات(..) خلق مناصب للمحسوبيات- أي الزبائنية السياسية- (..) تفشّي الفقر والتخلُّف لغياب العدالة الاجتماعية(..) نسيج اجتماعي منقسم (..) فقدان الدولة سيطرتها على جزء كبير من قرارها الداخلي(..) عدم احترام حقوق الإنسان، وغياب الشفافية، وعدم الفصل بين الصالح العام والمصالح الخاصة.

10-لم تُوفِّر “المنظومة” أي جهدٍ لتعميق حالة التشرذم، التي آل إليها وضع الحراك المطلبي، وذلك للحفاظ على مصالحها الذاتية والمكتسبات التي راكمتها، ومن أجل  تأبيد وجودها في مواقع السلطة.

11-نجحت منظومة الفساد والإفساد، ومن ورائها الدولة العميقة، في الحيلولة دون تحويل الحراك إلى ثورة، عبر مختلف الأساليب “الناعمة” والملتوية، مع توسُّل العنف، عبر محطاتٍ مُتعدِّدة.

12-على رُغم نجاح “المنظومة” في إفشال الحراك، فهي لم تستطع بالمقابل أن تُقدِّم أيّ حلّ لمعالجة الأزمة الراهنة، وانتشال لبنان من الجحيم، الذي دفعته إليه، بفعل يديها.

13-مؤشّرات الانهيار المالي بدأت تظهر، منذ ما يزيد على عشر سنوات، إذْ انخفض النمو الاقتصادي من 10،1% في العام 2009 إلى 0،9% في العام 2011. وهذا ما يدحض الأكذوبة التي تذهب إلى أن الحراك المطلبي شكّل العامل الأساسي لهذا الانهيار.

14-استكمالاً، وفق “الدولية للمعلومات” يبلغ عدد المنضوين إلى القطاع العام 325 ألفًا، في عِدادهم فائضٌ بين 40 أو 50%، وتبلغ كلفة الفائض 8 مليارات دولار سنويًا.

15-الانتخابات النيابية (15 أيار 2022) لن تكون حاسمةً لجهة النتائج، التي يُعوِّل عليها التغييريون. بل ستؤسِّس لما بعدها، ناهيك عن فضح المتسلّقين من الحراكيين المزعومين، وكذلك المندسِّين، الذين زرعتهم المنظومة في صفوف الحراك، وقد لعبوا دورًا تخريبيًّا، عشية هذا الاستحقاق.

16-ليست العبرة بوصول عددٍ من التغييريين إلى الندوة النيابية- كبُر أم صغُر- ولكن العبرة في الدور الذي سيؤدّونه كمجموعة، تواكب الحراك الشعبي، عبر قيادة ميدانية، كان ينبغي تشكيلها في الشهور الأولى لانطلاق الانتفاضة. علمًا أن عبء التغيير يقع على عاتق الشعب، بالدرجة الأولى.

17-لو قُدِّرَ لقوى الحراك مجتمعةً أن تتوحَّد، في الاستحقاق الدستوري النيابي لاستطاعت، وفق تقديرات مراكز أبحاث إحصائية جادّة، أن تحصدَ عددًا كبيرًا من المقاعد النيابية، ورفع نسبة المقترعين التائقين إلى التغيير.

18-تحتلّ النقابات المهنية أهمية متزايدة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ناهيك عن دورها في تشكيل الوعي الوطني. فإلى دورها، في تطوير الأداء المهني، فهي تعمل على تنمية المجتمع، في مجالات مُتعدِّدة.

19-انطلاقًا مما سبق، كان لنقابة المحامين في بيروت، على مدى تاريخها، الذي يرقى إلى العام 1919 (تاريخ التأسيس) أن تؤدي دورًا رائدًا في الدفاع عن الحقوق والحريات العامة، ومُناصرة القضايا الاجتماعية الكبرى. إضافةً إلى تفعيل العمل التشريعي والحقوقي. وهي تحمل راهنًا قضية قانون “الكابيتال كونترول”، بما يحفظ حق المودعين في استرداد أموالهم، كما تُتابع قضية المتضررين من انفجار مرفأ بيروت.

20-إنّ الأزمة الطاحنة، لا سيما في شقَّيها المالي والمعيشي، طاولت مختلف قطاعات المجتمع وشرائحه، وقد كان لها أن تُؤثّر، بشكل جدّ كبير، على موظفي القطاع العام، الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على الوفاء بمهامهم الوظيفية (ارتفاع الفاتورة المعيشية+ ارتفاع كلفة النقل..)، مما أدّى إلى شلل في أداء الإدارات العامة وتعثّر في المرافق الخدمية، وما لذلك من انعكاساتٍ سلبية على مصالح المواطنين. ولم يكن الأمر بأحسن حالاً، لدى العاملين في القطاع الخاص.

21-خلَّفت الأزمة الحالية تداعيات كارثية، على الصعيد التربوي/ التعليمي، منذ ثلاث  سنوات، فقد كان لجائحة كورونا وللانهيار المالي العام أن يُفضيا إلى تهميش دور المدرسة والجامعة، بحدود كبيرة، سواءٌ لجهة المرجعية التربوية العليا، أو لجهة الكادرات التعليمية والإدارة المدرسية والجامعية. وقد كان للهموم المعيشية والاقتصادية أن تُشكّل أولوية لدى المتضررين من هذا الانهيار، لا سيما الجسم التعليمي.

22-جاء التعليم من بُعد ليزيد  طين الأوضاع التربوية المتردية بِلّةً، وذلك لعدم جهوزية المدارس والمعلمين، لا سيما في القطاع الرسمي، لهذا النمط البديل من التعليم. وهذا ما أفضى إلى تضييع ثلاث سنوات من عمر الأجيال الطالعة، على الصعيد التعليمي، وحبل سنّي التعطيل على الجرّار، إذا لم ينهض لبنان من أزمته العامة.

23-على غرار معاناة القطاع العام، فإن العاملين في القطاع الخاص يكابدون معاناةً معيشية وصحية واجتماعية. ومما يُفاقم سلبًا، من وضع الطبقة العاملة، الضعف النقابي، الذي يسِمُ بُنيتها وحراكها. وقد جاءت التشريعات، لا سيما قانون العمل اللبناني، ليحدَّ من استقلاليتها، ومن قدرتها على خوض تحركات نضالية في سبيل العمال، كما على المستوى الوطني العام. وهذا ما جعل “الاتحاد العمالي العام” على هامش الحراك المطلبي، وكان الأجدى أن يكون رأس حربة لهذا الحراك.

24-يكفي أن ندرك التشتُّت العمالي نقابيًا، عبر الوقوف على هذا المشهد النقابي، ثمة 500 نقابة في لبنان (نقابات أمّ، يتفرع منها عشرات النقابات الفرعية في التخصص عينه)، و50 اتحاد نقابي: 23 اتحاد نقابي قطاعي، واتحادان للمصالح المستقلة، و12 اتحاد ذات منفعة عامة، و13 اتحاد ذات صفة إقليمية جهوية. علمًا أن قانون العمل اللبناني يُشرِّع قيام هذه النقابات والاتحادات، إذْ في تشتيت الطيف النقابي قوة للممسكين بالسلطة.

25-إن الواقع النقابي في لبنان، بما يخصُّ جميع القطاعات العاملة (قطاع خاص وعام ونقابات مهنية وروابط معلمين)، فهي بمعظمها رهن المحاصصات السياسية والطائفية، مما يُعطِّل قدرتها على تنفيذ برامجها وتحقيق تطلعاتها المهنية القطاعية. وهذا ما يُفضي إلى إضعاف دورها وفعاليتها، في أي حراكٍ وطني عام.

26-في إطار تهميش دور الشباب اللبناني، فإن “وثيقة السياسة الشبابية،” التي وضعتها الدولة عام 2012، اعترافًا بفعالية الشباب في المجتمع (134 توصية)، لم تُوضع حتى تاريخه موضع التنفيذ، فقد تمَّ تجميدُها، على غرار كثيرٍ من القوانين، حبيسة الأدراج، والتي تبقى حبرًا على ورق.

 

ثالثًا- في المقترحات والتوصيات

1-على الحراك المطلبي الارتقاء إلى مصاف الثورة،وذلك باستقطاب غالبية الشرائح المجتمعية المتضرّرة من تحكم منظومة الفساد والإفساد بمصيرها. علمًا أن سقف المطالب لم يعُدْ قطاعيًا، مما يُوجب رفعه إلى المستوى السياسي، وتحوّل الأداة النقابية إلى أداة سياسية.

2-في مواجهة الأزمة المصيرية الوجودية، لا بُدَّ أن يتمَّ الانتقال من المواطنية الساكنة إلى المواطنية الفاعلة، ومن دون هذا التحوّل لن يكون خلوصٌ إلى النتائج المرتجاة.

3-على رُغم ما يُعانيه الحراك المطلبي من حالٍ غير صحيَّة وخسارتُه جولاتٍ مُتعدّدة، فهو لم يخسر الحرب في مواجهة المنظومة، وبذا فهو لا زال مؤهَّلاً لحمل أعباء المهمة، التي ندبَ نفسه لها،والدفع بها إلى الأمام، شريطة استعادة قدراته و”تنظيف” جسمه من كل الأدران والشوائب، وسلوك طريق التعافي.

4-إن استعادة الحراك، ما أفقدته الأزمات، لن يكون إلاَّ عبر تحصين الذات، الذي يكفل تعطيل فعالية العوامل الموضوعية، من داخلية وخارجية، التي أدّت إلى إضعافه. علمًا أن البقاء عند حالة التشرذم يُوفّر بيئة مؤاتية للتدخلات في شؤونه، من كل حدبٍ وصوب.

5-بقدر ما تُشكِّل الأزمة، التي يتردّى لبنان في مهاويها، أزمة وجودية، فإن الخروج من نظام الفساد إلى لبنان جديد، يُمثِّل ضرورة مصيرية وجودية، وإلاّ فإن البلاد ذاهبةٌ إلى الارتطام الكبير، الذي لن يُبقي ولن يذر.

6-على الحراك المطلبي ترميم الثقة المتداعية بينه وبين الشرائح المجتمعية، التي وفّرت له دعمًا كبيرًا، في الأشهر الأولى من مسار الحراك، ونزلت إلى الميادين والساحات، بعشرات الآلاف.

7-على الحراكيين عدم نبذ قوى الاعتراض والتغيير، خارج إطار الحراك، إذ ثمة حاجة إلى شركاء يُشبهونهم في توجهاتهم، ولو في الحد الأدنى، فالتاريخ النضالي في لبنان، لم يبدأ مع حراك 17 تشرين أول سنة 2019، ولن ينتهي معه.

8-إن الصراع  مع السلطة- أي سلطة- يقتضي وجود ثقافة سياسية وخبرة نضالية مديدة، لم تكونا متوفرتين، لدى الحراك المطلبي، إلاّ في حدود دُنيا. علمًا أننا في عصر، غدت فيه الأزمات وإدارتها علمًا مُعترفًا به، يتمّ تدريسُهُ في الجامعات.

9-على قوى التغيير تبنِّي مشروع سياسي، قوامُهُ نظام علماني، مع التشديد على العلمانية في سياقيْها السياسي والاجتماعي، وليس في وجه الإيمان.فالعلمانية المنشودة هي المتمثّلة في العلاقة بين مواطن وآخر، ومواطن ومجموعة، ومواطن ودولة.

10-الدعوة إلى نظام اقتصادي قائم على العدالة الاجتماعية والمساواة، والإفادة من التطورات المتسارعة في العالم، في جميع المجالات، لا سيما في العالم الرقمي وإنجازاته، وبما يُعزِّز من دور اقتصاد المعرفة.

11-تسفيه “البروباغندا”، التي تذهب إلى تحميل الحراك المطلبي أوزار الانهيار العام. فالنظام اللبناني، بالأعطاب البنيوية التي تشوبه وممارسة الفساد التي تسِمُهُ، كان يسير بخُطى حثيثة إلى المصير المشؤوم. ولم يكن للحراك من دور سوى كشف المستور، بل فضح المستور الذي كان معلومًا.

12-في أي استحقاقات انتخابية (نيابية أو مهنية أو قطاعية)، على قوى التغيير أن تُقلع عن ثقافة الانتخابات غير السويّة المتأصِّلة لديها، والقائمة على حسابات خاطئة ونرجسيات متضخّمة، والمتمثّلة في عدم التوحُّد صفًّا واحدًا في مواجهة لوائح السلطة وأحزابها. ومن أسف فإن هذه الثقافة أفضت إلى تقديم فوزٍ مجاني لقوى السلطة، وآخرها ما جرى في انتخابات الهيئة الإدارية لأساتذة التعليم الثانوي الرسمي.

13-على نقابة المحامين في بيروت، وهي أمّ النقابات، كما نقابة محامي طرابلس، أن يُفعِّلا دورهما، من خلال المزاوجة بين الدور المهني والدور الوطني، كحاميتين للحريات العامة، التي يكفلها الدستور.

14-في إطار المحطات النضالية المطلوبة، غداة الانتخابات النيابية، ينبغي الدعوة إلى تشكيل حكومة حيادية انتقالية، مع صلاحيات تشريعية، في المجالين المالي والاقتصادي. وعلى أن تتشكَّل من خارج صفوف المنظومة ومن خارج الحراك، من أشخاص موثوقين وأكفياء علميًا ولم يتلوثوا بالفساد.

15-القيام بحملة، تهدف إلى إجراء تعديلات على مجموعة من القوانين، لا سيما قانون العمل، وتحديدًا المادة (83) التي أفضت إلى تشتيت القوى العاملة، عبر مئات النقابات وعشرات الاتحادات العمالية.

16-لأخذ العبرة، نقتطف من الأب لوبريه “Louis – Joseph Lebret” ، في تقريره (بعثة إرفد 1965):” إذا لم يحصل تحوّل في ذهنية النُخب الشابة، وإذا لم تحدث في لبنان ثورة فكرية وخُلُقية تكون التنمية هشّة، ولن يستطيع لبنان أداء دوره، لا في الداخل، كعامل متماسك، ولا في الخارج، كمركز حضاري عالمي”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *