رندلى منصور… نسمة حب جارف من قلب رقصة الدراويش

Views: 244

أنطوان يزبك

 

فراشة ملوّنة ودوران في وسط الكون

 

يقول الشاعر والفيلسوف طاغور: “إن قوة الله العظمى،في النسمة الرقيقة وليست في العاصفة” .

رندلى منصور هي من دون أدنى شك،هذه النسمة الشعرية التعبيرية، ذتدهشك من خلال حضور كلمتها ، وتصويرها الوجود في دوران دائم ، كما في حلقات الذكر ودوران الشاكرا في معابد هندوسية وبوذية معلنة ان الكون لا بداية ولا نهاية له.

تدهشك رندلى أيضا في شخصها و في رقتها وكأنها محاطة بحلقة من ملائكة تنشدها كلاما متجاوزا كل عنف وكل صخب، بيد أنها في الوقت عينه تحتفل بالكلمة من خلال شعرها الذي ان دلّ على شيء، فهو حكما يصوّب البوصلة محوّلا الحب والمشاعر إلى قوة روحية متعددة الأقطاب والمرامي، قوة داخلية في وجدان رندلى، تتسلح بكل لمحة من لمحات الوجود لوصفه وصفا متعددا غير قابل للتدنيس والاستلاب،  بالكلمة والتعبير وكل جماليات الأدب ورقة الايحاء!

في ديوان “دوران”تقول في الصفحة 117:

كنعامة أريد أن ادفن وجهي فيك

فلن تغفو عين والشوق صاح

ولن يهدأ قلب ونبضه يتلعثم

أنا في حالة انخطاف كليّ،

في حالة انعدام للجاذبية،

حالة انعدام للتوازن…

تتجلّى علاقات الحب والتواصل العاطفي في اسمى معانيها ، حب جارف بيد أنه رقيق وعفيف يطرق أبواب الجنة والروح والصفاء الكليّ كما في حلم فردوسي من سحر الوجود ، وحركة تشابه الطيران حتى يكاد الكائن المعلق في الهواء يعاين إشراقات النفس من خلال الحب الأبدي الخالد في الشريك الآخر.

 

وفي ختام البوح تعود رندلى لتقول بصدق كمن يعترف في حضرة الألوهة :

دعني أزرع روحي في عينيك!!

 وكأن كل الصلوات والصبوات لا تكفي ليثمّن هذا الحب حتى ينزرع في عيون الحبيب موئل النور والالتماع..

وأيضا في الصفحة 143 تقول رندلى:

اتدحرج بين السماوات السبع

اوقظ المجرات

وحدي أنا أستطيع نقش وشم بإسمي

اشلحه على كتف الأزل…

تذكرنا رندلى هنا بالأمير الصغير لانطوان دو سانت اكزوبري الواقف وحيدا على كوكبه المضيء يعاين المجرات والكويكبات، يتلقى منها إشارات وأحاسيس حتى ينفحها  مشاعره ورؤاه هائما بكل ما يعتريه من مشاعر صادقة، تغمر قلبه الفتي المتوثب، كذلك رندلى، نعثر في حنايا قلبها على هذه الصفات وهي في كل ما تكتبه تصوّر عالما متكاملا من مشاعر وهمسات نابعة من صميم القلب ومزّينة ببلاغة الكلمة واللغة..

بالعودة إلى الصفحة 133  نرى بوضوح كونية الرؤية لدى رندلى منصور  من خلال استعمال المعجم الفلكي:

حين يصاب قلبي بالكسوف

وتعاني مشاعري من الخسوف

تكون أنت خارج مداري

فتتبعثر كواكبي

وتتوه نجومي

فتهتز مجرتي

أنت لست هنا…

كون يعتزل الوجود!!

الكون المجرات الكواكب الفلك…كم جميل حين يكون ذلك الرجل مركز الكون ، وكأن صفاء الجلد فوق رؤوسنا ، هو رقعة حب بانتظار الصّائغ الحقيقي الحبيب الذي ليس سوى الفنان صاحب الموهبة ، لكي يوشي الرصيعات الأبدية بكلام لا مثيل له ، وهذا الصّائغ هنا ، هو رندلى الرقيقة المرهفة القادمة من شفق الأكوان في حكمة المجرات المترامية في المسافات الشاسعة و اللامتناهية!

أجل رندلى لديها الكثير لتقوله ولكن اختارت كلماتها في سيالات شعرية دافقة ، حدودها غير معروفة كما الافلاك واعدادها التي ستبقى مجهولة ، طالما لم يحل الإنسان لغز الوجود.

يقول جلال الدين الرومي: “عندما تعرف روحك روحي معرفة تامة ، فإن كلا الروحين يتذكر أنهما كانا روحا واحدا في الماضي”.

هل تبحث رندلى عن عبير  الروح ونفحاتها  الاثيرية مقتفية أثرها عبر الوقت، الزمن والفضاء؟

هل عبرت بروحها إلى فضاء الانقشاع وانخطاف المشاعر وعادت لتخبر بما رأت؟

أم أنها تضع تصورها لما يجب أن يكون عليه عالم الروح والعشق والشغف في الماوراء!

في كل الأحوال شعر رندلى منصور، نسمة منعشة و بوح رقيق في زمن الصخب والضجيج وانكفاء المشاعر والإنسانية، شعر يضاهي غناء عندليب فوق نباتات شوكية ، وهو يرتل ترتيلة ربانيّة احتفاء بانبلاج الفجر.

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. أمام رقي ما كتبت أستاذ أنطوان أنحني وجلًا، تقديري لفكرك الباهي الذي لا يرى إلا جميلًا. تقديري وشكري لحضرتك وأرجو فعلًا أن أستحق كلماتك وأعدكم أني لن أبخل يومًا في رحلة الكتابة والفكر، فرأيكم بكتاباتي يضعني أمام مسؤولية كبرى لا يمكن إلا أن تجعلني أكثر حماسًا وأكثر جدية إحترامًا لظنكم الكريم بي. ألف ألف تحية
    وللموقع الرائع والراقي الذي تأسس على يد كبير من بلادي ويرعاه نخبة عزيزة من الأقلام المميزة والرصينة والفكر الذي يبحث عن كل غنى في الكلمة والأسلوب والأدب والثقافة، كل الدعم والتوفيق لمسيرتكم المضيئة ولجهودكم المحترمة