جورج شامي…موجع غيابك!!

Views: 184

سليمان يوسف إبراهيم 

 

صعقني غيابُكَ صبيحةَ هذا اليوم الأدكن!!

أَبمثل هذه البساطة يكون انطواءُ الأعلام في سكينة العشايا؟!

على ضآلة السّنين السّبع التي جمعتني بكَ  صداقةُ فكرٍ  ومودّةُ قلبٍ – بعد تعارُفٍ كان مفتاحه الكبير اسكندر داغر – حيثُ فزتُ يومها بوسام رأيكم، رأيٌ أحمله اعتزازًا بعد زيارتكم، حين توجّهت لصديق عُمرِكَ قائلًا: ” أشكركَ اسكندر، لأنّك عرّفتني اليومَ بمثقّفٍ أصيل عشير العتاق الميامين، الذين لطالما أحبهم قلبي”.

وأنا،  لطالما زهوت بمعرفتي بكم كزهوتي بوسام رأيكم. وأنتَ العارفُ كم كنتُ أذكركَ واستشهد بقولٍ من أقوالكَ أو رأيٍ من آرائكَ لأُشدّد أسلحة دفاعي عن موقفٍ فكري أم ثقافي… غير أنّني لم أكُن أَحسبُ أنّني سأستذكرُكَ فكرًا واستحضرُكَ إنسانًا، بهذه العُجالة الدّاهمة!!

أتذكّر الآن، كم كنت تُبادرني بعتابٍ على تأخرٍ في مهاتفتكَ أسبوعيًا متى وقع، لشغلٍ شاغلٍ أم لطارئ داهم كان يشغلني عن سماعي صوتِك أم إسماعكَ صوتي… قائلًا:”تطيب  نفسي لمحادثتك يا أستاذ…”

هي هذه، ما اعتبرتها فرصتي الذّهبيّة، وأنا أجوب دروبَ الثّقافة وموائل أهلها في وطني: “أن سمح لي زماني، بمعرفتكَ وجهًا لوجه وقلبًا لقلب”.

يومَ عرفتُكَ، عرفتُ رجالًا في رجلٍ. وغنيتُ بشخصكَ معارفَ وتجارب، فأغنيتني عن عُمرٍ من وجع التّفتيش إثرَ حقائق تكشّفت لكَ، وكم كثرٌ هم مَن عشقوا معرفتها وما غميَ عنهم منها… وهيهات لو كان لهم أن يحظوا بفَلاح المقصد….

كنتُ بعد كلّ زيارةٍ لكَ، أعود إلى صومعة فكري مكتنزًا بدُرّ تلاقينا أفكارًا وآراءً وسُرجًا تضيء الآتي، معتبرًا معرفتي بشخصكَ سمةَ رضىً من الباري وتتويجًا لمفاخري، أنا المُجتهدُ أبدًا إلى تسلّق القِمم وأنا في جريي الدؤوب على مسالك الكلمة وأهلها.

جورج شامي،

يا عزيز الحضور كبيره، موجعٌ غيابُكَ عن محبِّيكَ وعارفيك؛ غير أنّ ما تركته لي ولهم من أساطيل فكركَ أشرعةً نجوب بها بحار المعرفة، لنا بعضُ عزاء…

وفكرك قد غدا  لأئمةٍ من أصحاب الكلمة مهمازًا لنضح فكرهم بما انطوى عليه فكركَ المتشعّب في دنيا المعارف، متذكّرًا للأستاذ أنطوان يزبك “المَسّ الجمالي” في العام ٢٠١٠ وتلاه “قرابين مُشتعلة” في العام ٢٠١٩، وأذكر ما نشرَتْ مؤخّرًا الإعلاميّة الصّحافية كلود أبو شقرا ” ثائرٌ يزرع الأمل” في العام ٢٠٢٠؛ وكلُّها نتاجاتٌ حظيت ببركتك ومباركة يراعكَ وأنتَ لا تزال بيننا. نعدُكَ، أيّها الكبير،  أن الدّراسات  حول فكركَ لن ينضب لها مَعين، متمنّيًا لو تُأسّست مؤسّسةٌ تحت اسم”مؤسّسة جورج شامي للدّراسات والتّوثيق” تَعنى بفكرك وتحفظ إرثكَ الثّر.

فكم نحنُ بعدٌ بحاجةٍ إلى ما يُكتَبُ عن شخصكَ وفكركَ ليتعرّف إليك إنسانًا ومُفكّرًا أبناء الغد وكونٌ بأسره!!

كتبتُ لغيابِك وإثره طويلًا؛ واستبقيتُ من أسفي له ولفقدِكَ بالقليل. مُنايَ أن أكون وفِّقتُ للصلاة لروحكَ خلودًا في معبد الكلمة التي سخّرت لها مُجملَ عمركَ ودفق خفقان قلبكَ؛ فبثثتَ نتاجاتِكَ مُجملَ روحِكَ والإنسان الذي فيك، لتبقى حيًّا بيننا. 

بعدَ اليوم؟ لا يضيّعنَّ أحدٌ منّا وقته في البحث عن جورج شامي. فمَن رام زيارَتَه فعنوانُ سكنه بعد ديار الملكوت؛ باتَ معروفًا للجميع: أدبُه وما تركَ لنا ولكم من نتاجاتٍ هي البوصلة، فلنلحق الاتّجاه. 

  عنّايا، في ٢٧- ٥- ٢٠٢٢

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *