قصة أغنية “قل للمليحة”… من كتبها ومن لحنها ومن غناها

Views: 1275

سليمان بختي

 

” قل للمليحة في الخمار الأسود/ ماذا فعلت بناسك متعبد/ قد كان شمر  للصلاة أزاره/ حتى خطرتِ له بباب المسجد/ ردي عليه صلاته وصيامه/ لا تقتليه بحق دين محمد”. 

من كتب هذه القصيدة التي تناقلتها الأجيال؟ وما هي قصتها الحقيقية؟ ومن لحن أبياتها وأضاف عليها؟ ومن غناها؟ 

الشاعر هو مسكين الدارمي ( ولد في زمن الخلافة الراشدي وتوفي عام 708 م) واسمه الحقيقي ربيعه بن عامر بن أنيف بن شريح التميمي، وهو أحد أشراف قبيلة بني دارم التي كانت في العراق زمن الدولة الأموية وبرز فيها شعراء مجيدون أبرزهم الفرزدق أحد أعضاء المثلث الأموي مع جرير والأخطل.

لقب بمسكين الدارمي نسبة إلى بيت قاله:” أنا مسكين لمن أنكرني/ ولم يعرفني جد نطق”. وله أيضا “ولست إذا ما سرني الدهر ضاحكا/ ولا خاشعا ما عشت من حارث الدهر”.  شمل شعره أغراض الشعر القديم من فخر ومدح ورثاء وهجاء وغزل وحكمة. ولكنه عرف الشهرة إثر ذيوع قصيدته “قل للمليحة..” ولكن ما هي قصة هذه القصيدة؟ 

بحسب رواية إبن حجة الحموي في كتابه “ثمرات الأوراق” وأبو الفرج الأصفهاني في كتابه “ألأغاني”: قدم تاجر الى المدينة من العراق  ويحمل من خُمر العراق فباعها كلها إلا السود. فشكى الى الدارمي أمره وكان الدارمي قد نسك وتعبد. إلا أنه كتب هذه الأبيات وأمر من يملك صوتا رائعا أن يغني هذه الأبيات في المدينة. فشاع الخبر في المدينة أن الدارمي رجع عن زهده وتعشق صاحبة الخمار الأسود، فلم يبق في المدينة فتاة أو سيدة إلا اشترت لها خمارا أسود. فلما أنفذ التاجر ما كان معه رجع الدرامي إلى تعبده ونسكه. 

لعلها أول قصيدة في الأدب العربي تم توظيفها في الدعاية والإعلان والترويج التجاري. ولكنها أبعد من ذلك لا تزال تغنى منذ 1300 عام وتغنى بالمقامات الشرقية ( حجاز وصبا ونوى) وتغنى على طريقة أداء الموال وقد برع في ذلك المطرب العراقي ناظم الغزالي (1921-1963). 

ناظم الغزالي

 

وأضاف إليها جملة “معلم على الخدعات قلبي”. وجملة و”صلاه”. وقد زاد شعوبي إبراهيم وهو عازف سنطور هذه الأبيات:”يا داعيا لله مرفوع اليد/ متضرعا متوسلا بالمنجد   / يا طالبا منه الشفاعة في نجد/ قل للمليحة في الخمار الأسود”. 

أما اللحن الأساسي فقد تكفله العراقي أحمد الخليل. غناها أيضا المطرب السوري صباح فخري(1933-2021) في كل حفلاته تقريبا، وعلى طريقة القدود الحلبية جعل من كلمة “ردي عليه” صلة تفاعلية مع الجمهور والكورس وبالتنغيم:”ردي ردي عليه ردي/ يا سيدي ردي”. وغناها من سوريا أنس فخري ومحمد خيري ومن لبنان هيام يونس وعبد الكريم الشعار وعبده ياغي وصبحي توفيق وأميمة الخليل، وغنتها من المغرب غالية بن علي، ومن موريتانيا “ديجي منت أبا”. كما غناها العديد من الفرق الغنائية الشبابية في لبنان والعالم العربي بتوزيعات جديدة وبآلات غربية. 

صباح فخري

 

أخيرا، ربما ما جعل هذه الأغنية تستمر وتستعاد في أيامنا هو دلالة إرتباط الفن بالواقع، هو قوة السر والغموض الذي فيها، وقوة السحر الذي وقع في نفوس الناس موقعا حسنا. فمن هي صاحبة الخمار الأسود التي وقفت لعاشقها في باب المسجد وسلبت منه دينه ويقينه. والسر المكين لهذه القصة لا يعرفه إلا مسكين الدارمي وتاجر الخُمر العراقي وشوق الناس إلى الأسرار.

هيام يونس

 

عبدالكريم الشعار

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *