الأدب… ومركبة  “الاستسهال”!

Views: 409

أنطوان يزبك

 

من المصائب المتملّكة في جسم الأدب والفكر والشعر والفنون ، مصيبة الاستسهال. 

أضاع عدد كبير من الكتّاب بوصلة الشعر وصادروه عن سوء نيّة إلى أمكنة قسيّة، فلم يعد يشبه حقيقته وحاد عن هدفه الاصيل والسّامي!

إذا كان الطباع طباع سوء فلا أدب يفيد ولا أديب!

حين تناولت مسألة الشعر في مقالة سابقة، راقت لكثر من ذوي الالباب النيّرة وأصحاب النوايا الخيّرة ، والعقول الهادية والهمم الفادية، ولكن من ناحية أخرى ، امتعض كثر؛ وأخذوا في معاتبتي إن من خلال التبليغ المباشر أو غير المباشر من خلال وسطاء، ظنا منهم أنني اقصدهم، وكلامي يطالهم شخصيا، وفي هذا المقصد أحب أن أقول التالي:

منذ ثلاثة عقود وأنا أكتب وقد دفعت اثمانا غالية جراء بعض المواقف، ولا حاجة لاذكر الخسائر فهي لا تعد ولا تحصى، والآن لا أبالي بالخسارة أو الربح فقد مضى الزمن ولا مجال لوصل الماضي بالحاضر، جلّ  ما أريده الآن، هو أن أقول الحقيقة مهما كلف الثمن،ليست حقيقتي أنا بل ما يمليه المنطق وصحة النفس والعقل.

  يقول غابريال غارسيا ماركيز في رائعته؛ الحب في زمن الكوليرا :

سوف ينحدر هذا  العالم إلى الدرك الأسفل، عندما يسافر الناس في الدرجة الأولى، بينما يوضع الأدب في مركبة  الشحن!

هذا على الأرجح ما أصابنا في السنوات الماضية، إذ عندما تسود ذهنية تجارة السلعة والربح والعنجهيات الفارغة في عالم الأدب والشعر، تفسد المقدسات وتسقط القيم، ويبدأ ضحايا هذا الفجور يتساقطون محاصرين بالذل، تتأكلهم أنياب  الخيبة.

 وفي جمهورية الطفيليين الطارئين تكون الحقيقة هي الضحية الأولى،  لأن اغتيال الحقيقة يفسح في المجال لدخول التفهاء، والفضوليين والطفيليين وصائدي كنوز الشهرة الوهمية واتباع الاحلام الوردية المزيفة والخيال المضلل. لقد قال نيتشه كلاما رائعا في الحقيقة:

منذ القدم والبشرية لا تعاقب إلا من يقول الحقيقة، فإذا أردت البقاء مع الناس شاركهم أوهامهم، الحقيقة يقولها من يرغب في الرحيل فقط.

أجل الناس يلتذّون بالأوهام، يعتدون على الرائي والنبي والشاعر فلا يجد بدا من الرحيل وإلا مصيره الإذلال، العدم، الخسارة والعزلة !

سنة 2013 وخلال المعرض العربي والدولي للكتاب في البيال، صرّحت الشاعرة الأصيلة ،الصادقة والمتصالحة مع الحقيقة  سهام الشعشاع لإحدى الوسائل الإعلامية المرئية بالكلام التالي:

“الشعر هو الملعب الوحيد الذي يريد كل الناس التسلق على أكتافه، يعتبرونه كالشخص المريض الذي يأتي إليه كل واحد ليطبطب على كتفه ويستفيد منه!”

 وتتابع سهام قائلة: “مع الأسف الشعر هو من أقدم الفنون الراقية، كان الشاعر في الماضي وزير إعلام قومه ولسان حال الناس”.

أجل هذا هو الشاعر، إنه صاحب مهمة وصاحب رسالة سامية وله صفة أكثر من رسمية  وقد اكتسب مع توالي الحقبات صفة الرائي التي توازي المنقذ الذي يقود شعبه ، في زمن الشدائد، هو حامل الشعلة والمصباح le Poète mage الذي ينير الطريق أمام الناس السالكين في ظلام الضياع ومتاهة الأحزان وضلال الأنفس.

ختاما أقول: لا بأس في بعض التفكر والعودة إلى الذات، مع مقاربة الحقيقة من زاوية الإنسانية، وتحرير الحقيقة من الأنانية وعبادة الذات ونبذ هذا السعي دوما إلى تمزيق الآخر وإلصاق النعوت الزائفة والنذلة المهدمة به، من أجل تحقيق صعودنا على جثث الآخرين وإعدام شخصيتهم وفكرهم وما يمثلون!

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *