غياب حسن عبدالله شاعر الحكاية 

Views: 466

سليمان بختي

ترك الشاعر حسن عبدالله (1943-2022) أوراقه  وقصائده على الطاولة وقنينة ألاوكسيجين قرب السرير وامتطى غيمة ليرعى الضباب. ليطل على الخيام و(الدردارة) وصيدا وبيروت ملوحا سلامه الأخير.

كانت أيام طفولته ذهب حياته الخالص.

مارس التعليم و الصحافة وكتب الشعر واقام معرضا لـ 40 لوحة رسمها على مدى 5 سنوات، لوحات لسهول ومروج وأودية وأشجار وبساتين وأطلق عليها “مقام الأخضر”.

كتب “أذكر أنني أحببت” 1972 و”الدردارة” 1991 و”راعي الضباب” 1999 و”ظل الوردة” 2012. ولكن ضربته الموفقة الى جانب شعره هو ما تركه من مؤلفات في أدب الأطفال (60 مؤلفا) ولحن قصائده وليد غلمية وأحمد قعبور وغنى مارسيل خليفة “أجمل ألأمهات” و”من أين أدخل في الوطن”. وكان يتهكم ويقول بل من أين ادخل في القصيدة. وغنى من قصائده خالد الهبر. وحول المخرج برهان علوية قصيدته:” مازن والنحلة” الى فيلم من إخراجه.

من صفحة الشاعر حسن عبدالله على فيسبوك

 

كان حسن عبدالله ينقطع عن الشعر وينهمك في الحكايات او الرسم او التأمل في الطبيعة. الطبيعة كانت قبل الشعر والطفولة كانت قبل الشعر والصداقات كانت قبل الشعر ولكن إذا حضرت القصيدة فلا شيء قبلها ولا بعدها.

كان يكتب ليغني ألمه ولقطاته وضحكاته ونهفاته وصوره.

تنساب قصيدته بسهولة ويسر من منبعها في االوجدان والخيال الى الورق وكأنها تسير كالأنهار البرية الى البحر.

في كتابه “راعي الضباب” تكاد لا تخلو صفحة من حكاية شعرية ولا من رذاذ الخيال ولا من أساطير المرويات وكل ذلك بمفردات بسيطة ومنتقات بمهارة وحس.

هل هو شاعر المكان المرهف؟ أم شاعر الحكاية؟ أم شاعر الحياة- القصيدة؟

في إحدى أمسيات مهرجان بوشكين العالمي في لاتفيا -الاتحاد السوفياتي في شهر حزيران 1978، بحضور الشاعر الفلسطيني احمد دحبور وشاعرة فيتيامية وشعراء آخرون. من صفحة الشاعر حسن عبدالله على فيسبوك

 

لبث حسن عبدالله مقيما على طبيعته وعفويته وتواضعه الجم وواقعيته ووفيا لمزاجه، وكل ذلك أعطى لأسلوبه التأثير العميق والقدرة على كسر الحجب. كما أن هذا المزج بين سيرته الذاتية والمكان والوجود والتأملات الفلسفية البسيطة مكنه من ترسيخ الدهشة والتفاعل لدى المتلقي. كان حسن عبدالله قادرا أن يجعل من الحكاية العادية قصيدة، ومن القصيدة أغنية، ومن الأغنية ديمومة الاستعادة في الناس والأشياء. 

ترجم شعره الى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والروسية. وكان ينسى حين يروي لك أن هذه القصة لا يعرفها سوى أهل الخيام ويقول:” نسيت إنو ترجموها…”.

نال عام 2002 جائزة وزارة الثقافة المصرية عن أدب الأطفال، وكذلك نال عام 2012 جائزة مؤسسة الفكر العربي عن أدب الأطفال، وجائزة الشيخ زايد عن أدب الأطفال 2016 وتلتها جائزة من مدينة فانكوفر الألمانية عن أدب الأطفال.

كان يحلو له في زمن المقاهي في شارع الحمرا أن يجلس في الكافيه دو باري ولاحقا في الـ سيتي كافيه ومؤخرا في مقهى الروضة ويعقد المقارنات بين بحر رأس بيروت ونبع الدردارة. 

 

عانى في الفترة الأخيرة من مرض الرئة وكانت شقيقته رباب تهتم بقنينة ألأوكسيجين (قنينة الحياة) وينظر الى العلامة ليعرف كم بقي له من الوقت قبل إعادة التعبئة. قال:” لم أعد أستطيع أن أتقدم في العمر كأن الأشياء باتت محدودة أو معدودة”. 

حسن عبدالله شاعر كبير كان يختبئ وراء قصيدته وليس أمامها. وكان يعرف أن القصيدة مثل الرسم والموسيقى إما أن تكون أو لا تكون.

حسن عبدالله أحد الشهود الكبار في تخليد الطبيعة والمشاعر الإنسانية المرهفة.

عاد حسن عبدالله الى قريته الخيام ليكمل ما بدأه في تأمل التراب، ليكمل ما تركه من حكايات تنتظر شاعرها. 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *