وجيه الفانوس ووهجه

Views: 31

د. جان توما

الغزير الكتابة، جفّ حبر محبرته، ونضب جدول أبجديّة عمره. رحل صباحا بعد أن أرسل مقاله اليوميّ الذي كان حبل بقائه الفكريّ السرّيّ.

ما كان وجيه فانوس صاحب كلمة، ولا من أهل القلم، بل كان الكلمة وأهلها، بحضور متألق وارتجال متمايز.

أهكذا يرحل كبار الكلمة في صمت المحبّين؟ كيف يغلقون دوواين الشعر، وأغلفة الروايات، ويتركون العالم قابعا في برده وصقيعه؟ كيف يأخذون الدفء معهم والألفة وشيئا من سنوات حياتك ومعرفتك بجوّانيتهم؟

أعرف أننا كلما التقينا، كان الزجل والجمال ثالثنا، وما كنت تتعب من الحديث عن جماليات اللغة، ومن ترداد قصائد التراث، في ليالي الودّ وأمسيات التلاقي.

والله يا وجيه، كم سررتُ مساء لقائنا في اليونسكو في شهر أيار الفائت، وكنت مصرًّا على المجيء إلى طرابلس للقاء الأحبّة، وكنت أقنعك بعدم الحضور، وتخفيف الكتابة، حفاظا على صحتك، فقلت لي: أموت إن لم أكتب. رحمك الله فقد متّ وأنت تكتب، لتقول إنّك ما زلت هنا، وأنّ الأبجديّة التي كنت لها، ستبقى تتهجأ اسمك؛ وجيها في الفكر، وفانوسًا في الأدب.

ارقد في حضرة الكلمة التي كنت في حضرتها دائما، هذيذا باسم المولى، ومتمتما بكلمة الإيمان الحيّ، ومترجما هذا الغنى الرّوحي والمعرفي بغزارة المطر الذي إذا اشتدّ من الشوق، صار ندى للعارفين.

(Xanax)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *