“القصيدة”… شاعِر وإحساس وموقِف

Views: 235

أنطوان يزبك

 

أعظم الشعراء، هم أولئك الذين كتبوا بيت شعر واحدا وماتوا بعد كتابته مباشرة!

                                                                                         (نزار قباني)

 

يقال إن اجمل الشعر هو الشعر الذي لم يكتب، ولكن من مثالب وقتنا الحاضر، في ذروة احتدام المخاطر، أن جمهورا من الشعراء، وليس عددهم بالقليل، يضعون بعض أولياء القصيد في منظور عدسة البعيد، كما يريدونهم هم أن يكونوا، لا كما هم عليه في الحقيقة ويطلقون عليهم نيرانا عدوانية تحت أستار يقال إنها صديقة…

ومع الأسف الشديد من كان في مرمى الحسد، مزّقوه وضربوا عظامه بالوتد، بلا خجل أو وجل، وعلى عجل تتهافت الحروف تلك الخارجة عن المألوف، في دوائر من خبل كما حلقات كوكب زحل! .

ومع الأسف وبالغ الأسى صار الشعر مجموعات لسانية من دون معنى  وتراكيب صوتية  مجهولة لها نقرات محشرجة كطحن الزجاج،  تعرف بالـ psittacisme  وهي كما يعرف عنها المعجم كلمات الببغاء الخالية من المعنى والصفاء…

ذات أمسية قال الشاعر موريس عواد في ظهور تلفزيوني، متوجها إلى الشعراء أو كل من يزعم أنه شاعر :

ما توسخوا الورق بقا…، وحسنا قال، إذ ارتفع قوله هذا إلى مصاف النّبوءة، وموريس عواد لا يحتاج الى شهادة من أحد لإثبات قيمة كلماته السامية، وتعاليمه الباقية.

وليعلم الجميع أن للورق قيمته النبيلة وله قدسيّته، يصنع بكلفة عالية ليكتب عليه الشعر الحقيقي وليس شعر الخليط السليط أو المائع الضائع، اللقيط، الشريد المزيد، كالملح مفسد الطعام لا حسب له ولا نسب المقدم كما الوجبات السريعة في كرتون العلب !!..

قال ولفغانغ فون  غوتيه:

لا شيء اكثر قبحا ممن يحاول أن يبني ذاته معتمدا على الكذب والأقاويل.

أخجل أن أقول إن من سلكوا هذا المسلك عددهم يتنامى بشدة على مقياس  معادلة هندسية مضطردة، لقد استبدلوا عسل الأخوّة والصفاء بعلقم الخباثة والرياء !

وفوق كل ذلك يطلبون من الناس تكريسا وفروض الطاعة والتبجيل، الذي هو في الحقيقة نسخة معدّلة مشتقة  من فعل التدجيل !

في واحد من السيركات ذات الشهرة الكبيرة توهّم المهرّج أن بإمكانه إيهام الحضور، أنه يرتدي ثياب الحقيقة من صنع خياط امرد، في مرتع الفكر يقيمه، ومنه أبد الدهر لن يطرد…

يقول جان كوكتو: الشاعر لا يطلب الإعجاب أبدًا، بل يود ان يصدقّه الآخرون !..

لا أجد بدًا من أن أرفع القبعة وأقول:

تحية للذين فضلوا أن تفرقهم الحقيقة من أن يجمعهم الكذب والرياء ويقعدهم فجور النميمة !

الشعر لمن يجهل قضية ونضال، سلوك نفسي وأسلوب حياة، ترهّب ونسك، صلاة وارتفاع، عمل دؤوب وارتقاء، إنسانية صارخة وموعظة حسنة، وفوق كل ذلك شهادة تواضع وأخلاق حميدة، يقول محمد الماغوط في هذا الصدد:

أحاول أن أكون شاعرا في القصيدة وخارجها، لأن الشعر موقف من الحياة وإحساس ينساب من سلوكنا!..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *