“أروح لمين” لأم كلثوم … أغنية ملغزة بالسياسة نجحت وحلقت ولو انكشف أمرها

سليمان بختي

قدمت أم كلثوم (1898-1965) أغنية أروح لمين عام 1958 بألحان الفنان رياض السنباطي  وكلمات عبد المنعم السباعي ( 1918-1978) لأول مرة في مسرح قصر حديقة الأزبكية وغنتها بمسرح الأونيسكو في بيروت 1959  وحققت نجاحا لافتا، ولكن بعد النجاح طار غبارها. 

فما هي قصة هذه الأغنية؟ وما سر حكايتها؟ 

كان عبد المنعم السباعي أحد الضباط الأحرار الذين ظلموا أم كلثوم في بداية عهد عبدالناصر، والغريب أنها غنت من كلماته وفيها جملة تعبر عن الحيرة وطلب الإنصاف. ( أروح لمين وقول يا مين ينصفني منك) على طريقة المتنبي “فيك الخصام وانت الحصم والحكم”.

الأغنية رومانسية الطابع وتشي بقدرة الشاعر الأدبية.

وسبق له وأعطى أغاني لكبار عصره مثل : محمد عبد الوهاب ” أنا والعذاب وهواك” ومحمد قنديل “جميل واسمر” وعبد الحليم حافظ ” لايق عليك الحال” و”خليك معايا يا نور العين” ونجاة الصغيرة ” قلبك راح فين” و”يا هاجر بحبك” و”يا سلام يا سلام”. كما غنى له فريد الأطرش “الدم ما يهونش”  ومحمد عبد المطلب. 

 

كان عبد المنعم السباعي قريبا من ثورة 23 يوليو وله دوره في الحركة التي أطاحت بالملك فاروق. وترأس مكتب الشكاوى بمجلس قيادة الثورة. ولما تولى عبد الناصر الحكم بعد إقصائه محمد نجيب ظهرت خلافات متشعبة بين عبد الناصر وغيره من ضباط في مجلس القيادة ومن ضمنهم السباعي الذي طاله التهميش والإبعاد عن القرارات العسكرية وكلف بمهام الإشراف على الإذاعة ثم على جريدة “الجمهورية”.

ربطته مع عبد الناصر علاقة  ود وصداقة ولكن السياسة فرقتهما وبسبب محبته لعبد الناصر رأى السباعي ان البعد عن السياسة والعمل العسكري ستحفظ هذه الصداقة.وقد كشف السباعي بعد وفاة عبد الناصر عام 1970 عن سر هذه الأغنية التي نظمها في صديق عمره الراحل ناصر.

وكان سبق له أن كتب أغنية وطنية لعبد الوهاب في منتصف الخمسينات بعنوان “أنده على الأحرار” وسببت له أزمة سياسية ووظيفية كبيرة إذ إعتبرها ناصر أنها دعوة لإشراك أعضاء الضباط الأحرار في الحكم، وهي فكرة لم يرتح لها ناصر أبدا.

كما كتب السباعي أغنية “تسلم يا غالي” لعبد الوهاب عن حادث المنشية.

إلى ذلك ترك السباعي أعمالا درامية مثل مسلسل “سمارة” وشارك بمجلة  “الهواء”. وكتب القصص القصيرة في ” روز اليوسف” والقصة الإذاعية القصيرة. وله مجموعة قصص بعنوان “كؤوس الشقاء” وكتب للسينما في سلسلة “إسماعيل ياسين في الجيش”. (www.genusinnovation.com) ونظم قصائد مفردة في الفصحى إمتازت بسلاسة اللغة وبساطة التراكيب.

نال السباعي التقدير المستحق وحصل على وسام الجمهورية عام 1964.

 

ولكن أغنية “أروح لمين” تظل تصدح مع أم كلثوم “وأقول يا مين ينصفني منك/ ما هو انت فرحي وانت جرحي وكله منك/ أروح لمين/ كلمة ونظرة عين والقسمة وياهم/ جمعوا سوا قلبين والحب منّا هم/ وبين ليالي المنى خذني الهوى وياه/ وكان وصالك وكنت بتمناه/ وبعد حبي شغلت قلبي وقسيت عليه/ وكان منايا يدوم هنايا ما دامش ليه” أو “طول ما انت غايب / ماليش حبايب في الدنيا ديه”.

غناها بعد أم كلثوم كثيرون ونذكر منهم : سعاد محمد ،وجورج وسوف ، وذكرى، وأمال ماهر، ريهام عبد الحكم ، ميشلين خليفة ، بسملة كامل، صوفية صادق وشهرزاد هلال وغيرهم.

وإذا كان السباعي استخدم ام كلثوم كمنصة ليقول ما يريد أن يقوله لناصر فإن جمال الأغنية وعذوبتها ولحنها الجميل وأداء أم كلثوم الساحر أخذها إلى أبعد من اللحظة الزمنية، إلى وصال الحب ومنصة الفن.