سجلوا عندكم

الروائي القدير يوسف حبشي الأشقر (1929-1992) يعود إلى قريته مسربلا بالأجحاف

Views: 224

 سليمان بختي

عائدا الى قريته بيت شباب او “كفرملات” كما كان يسميها في رواياته (كما اعود الى الله، يقول). وجالسا في المقعد الخلفي للسيارة الى اليمين قرب النافذة. لا أعرف ماذا رأى او من ناداه او لوح له فعبرت روحه من النافذة بسهولة ويسر الى التلال المحيطة بقريته ومنها الى سماء قريبة زرقاء.

فارق بصمت ذاهل حتى لم يشعر به احد في السيارة  قبل ان تتوقف، ويصدمون.

كان ذلك في مساء داكن من تشرين الثاني 1992. غاب ولم يتجاوز الثالثة والستين من العمر.

ربما تذكر شريط حياته يمر بسرعة امامه. ربما تذكر كل تلك الأسئلة الوجودية التي ارقته. ربما تذكر ذلك البيت الشعري لإبن المعتز “حلاوة الدنيا لجاهلها/ و مرارة الدنيا لمن عقلا”.

 

انه الروائي القدير يوسف حبشي الأشقر (1929-1992) ومضى على نعاسه الاخير ثلاثون عاما. كانت كتبه حلبة مواجهاته وصراعاته يكتب ويصرخ يكتب وينعم النظر. يكتب ولا ينام. 

ولد يوسف حبشي الاشقر في بيت شباب عام 1929. تلقى دروسه الابتدائية والمتوسطة في مدرسة الضيعة. ثم الثانوية في المدرسة اليسوعية في بيروت. (https://glasshousefarms.org/) التحق بجامعة القديس يوسف وتخرج منها باجازة في الحقوق والفلسفة.

عمل في مديرية الهاتف ثم في الشؤون الاجتماعية ومنها الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

انضم الى جمعية اهل القلم ومجلس المتن الثقافي.

 

بدايته كانت عبر كتابة القصائد ولكن حين تعرف الى فؤاد كنعان (1920-2001) عام 1951 اقنعه الاخير بكتابة القصة والتوقف عن نظم القصائد. 

لماذا اختار القصة؟ ليقول ما يريد قوله:”الاسباب الداعية التي جعلتني اختار القصة ثم الرواية هي انني تعودت القصة في البيت. والدي اميل حبشي الأشقر كتب اربع عشرة قصة تاريخية وكانت اول ما قرأت، رأيت ان القص يسمح لي ان اضع ما اريد وكما اريد. القصة تتناسب مع كسلي”.

كتب في القصة “طعم الرماد” 1952. و”ليل الشتاء: 1955 و”الارض القديمة” 1962 و” آخر القدماء” 1985.

  وكتب روايته الأولى ” اربعة افراس العمر” 1964 و”لا تنبت جذور في السماء” 1971 ولفتت اليه الانظار كروائي بارز. وقد اعجبت الروائي الكبير نجيب محفوظ الذي قال “بل اوقعها معه”. “الظل والصدى” 1989.

 

حاز على جائزة “اهل القلم” على كتابه “ليل الشتاء” وجائزة اصدقاء الكتاب على ” الارض القديمة”.

كتب يوسف حبشي الأشقر مسلسلين لتلفزيون لبنان لم يكتب مثلهما ابدا، لعلهُما من اروع ما كُتب في هذا المجال “والضيعة بألف خير” 1973 و”ميليا” وانقسم اهل ضيعته عليه فبعضهم قال :” شهرنا” والبعض الآخر قال: “لا بل فضحنا”. 

عبّر يوسف حبشي  الاشقر في كتاباته و رواياته عن هواجسه الوجودية العميقة، عن حضور الله في الانسان وفي الكلمة وفي الحياة. بحث عن الله في الكلمة. عن المطلق. رفض الحرب والقتل العبثي المجاني والظلم الذي لا حدود له. وعالج قضية النزوح من الريف الى المدينة وتأثيراتها الاجتماعية والإنسانية. عبرت شخصيات رواياته عن قلق وجودي عميق واضطراب في العلاقة مع الله والحب والامان والأيمان والمال والكلمة. حاول الإجابة صادقا عن الأسئلة التي اقلقت عمره.ولطالما اعتبر ان الكتابة هي مهرب من الموت قهرا أو انتحارا.

 

كتب في رواية “مظلة الملك” هذه الكلمات:” بقينا قاعدين طويلا، طويلا، حتى عادت المدافع فاعادت الحزن الى عيوننا وسرقت حجما من ذاتنا وبعد الحزن؟ قلت لي بعد الحزن الذل وليس بعد الذل شيء فهو سوية الموت”. هلكه القلق وبحث عن ابواب للإنقاذ. كتب غير مرة “ايها النوم يا سيد العطايا.لماذا تطل وتذهب كالقمر؟ لماذا لا تذهب وتختبئ؟ وحدك الإنقاذ انت ، لا الكتابة ولا الحب”. 

يوسف حبشي الأشقر نتذكره في ثلاثين غيابه أحد كبار المؤسسين في الرواية اللبنانية والعربية الحديثة ونأسى لما اصابه من إجحاف ونكران ونسيان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *