الرئيس الراحل فؤاد شهاب يدعو إلى ثورة على النظام

Views: 622

المحامي معوض رياض الحجل

تُثبتُ المُعطيات التاريخية والوقائع من دون شك ان انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية في العام 1970 شكّلت التجربة اليتيمة والوحيدة التي شهدت معركة انتخابية فعلية بين فريقين سياسيين أي النهج والمُعارضة.

أما انتخابات العام 1976، فعلى عكس انتخابات 1970، كانت شكلية تماما، هدفها الوحيد والأبرز وصول رئيس للجمهورية اللبنانية يُراقب الأزمة من دون قدرتهِ على ايجاد أي حل او مخرج من النفق المُظلم. حينها فاز الرئيس الراحل الياس سركيس بانتخابات رئاسة المجهورية في ظل حرب وفوضى أهلية مُستعرة لم تسمح لهُ سوى ان يُراقب الأزمة من القصر الجمهوري في بعبدا وحيدا، مُشاهدا بحسرة ولوعة تساقط القذائف والصواريخ هنا وهناك في شوارع بيروت المظلمة.

 

انتخابات مفصليّة

بالعودة الى العام 1970 فقد شَكلَ عاما مفصليا في تاريخ لبنان الحديث لناحية انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية خلفا للرئيس الراحل شارل حلو(1964-1970). كما كل موسم انتخابي انقسمت الاراء والاجتهادات حول أسماء المُرشحين المُحتملين للفوز بكرسي الرئاسة الاولى. في ظل تردي اوضاع الدولة ومؤسساتها في حينها، كما وَردَ في بيان الرئيس شهاب، رأى نواب النهج، أي المحسوبين على الرئيس فؤاد شهاب، انهُ الشخصية السياسية الأفضل لتولي الرئاسة الاولى والقادرة على اصلاح الوضع المُهترئ، كما وصفهُ الرئيس الراحل عبدالله اليافي، واعادة لبنان الى بر الأمان.

ولكن الرئيس شهاب رفض الأمر حينها رفضا قاطعا حتى وصلَ بهِ الأمر الى اصدار بيان خطي بتاريخ 5 آب 1970 نُشر في الصحف المحلية شَرحَ فيهِ أسباب عزوفهِ عن الترشح.

وقد أشارَ الرئيس شهاب أثناء استقبالهِ عدد من النواب والوزراء الذين حاولوا اقناعه بالرجوع عن قرارهِ الى ان “الوضع لا يمكن نسفهُ بقوانين ومراسيم اشتراعية. الاصلاح يحتاج الى بداية من الأساس…”، واضاف “لان الذي يطلبونهُ مني لا يطلبونهُ من غيري. يطلبون مني اكثر ما يمكن من الانجازات والاصلاحات التقدمية والعلمية والجذرية، وهم يعلمون كم هناك من صعوبات… أما اذا جاء غيري فُيطلب منهُ ان يمشي الحال… ويكتفون بذلك”.

رؤيا للحل الجذري

اهمية هذا البيان التاريخي انهُ اثبتَ مرة جديدة ان الرئيس الراحل شهاب كان رجل دولة بامتياز لناحية احترام الدستور والمؤسسات الدستورية مؤمنا بتداول السلطة بعيدا عن التسلط والتمسك بمقاليد الحكم. اما مضمون البيان فيعدُ ورقة عمل، خريطة او رؤيا للحل الجذري لوضع البلد المُهترئ كما كان عليه في العام 1970 من كل النواحي وليس فقط السياسية منها، ويصلح اليوم ان يُشكّل برنامج عمل جديا لكل مُرشح او مرشحة لرئاسة الجمهورية اللبنانية في العام 2022 ولو بعد 52 سنة من نشره.

السؤال المطروح اليوم: هل المطلوب وصول رئيس جمهورية جديد لادارة الازمة الحالية كما هي ام لاصلاح كل شي من الاساس؟

في العام 1970 احتدمت المعركة الرئاسية بشراسة بين مُرشح النهج اي الرئيس الراحل الياس سركيس والرئيس سليمان فرنجية وقد فاز هذا الأخير بفارق صوت واحد. اما اليوم فظروف المعركة الرئاسية غير واضحة تماما، حيث تقتصر الأمور على اسماء من هناك وهناك يتم تداولها بالاعلام بانتظار كلمة سر من مكان ما وفي زمان ما لم يُعرفا بعد.

اذا درسنا الوضع الحالي للبلد، اي في العام 2022، نرى ان المُهمات الاستثنائية والجبارة المطلوبة من الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية هي نفسها التي اطلقها الرئيس شهاب وطالب بها في 5 آب 1970 من دون زائد أو نقصان:

– نظام حكم ومؤسسات مُتطورة وحديثة.

– انشاء نظام اقتصادي يُلغي الاحتكارات التي ساهمت في زيادة نسبة الفقر والعوز.

– قانون انتخابي حديث وعصري.

– خطة جدية للنهوض بدل الخطط المرحلية والمؤقتة التي لا تعالج الأزمات بل تؤجل حلها.

– خطة مُستدامة للتنمية على مختلف الصعد طبقا لتلك التي اطلقتها الأمم المتحدة للعام 2030.

 

نص بيان الرئيس شهاب بتاريخ 5 آب 1970

“أمام الضغوط التي تعرضتُ لها بغية ترشيحي للرئاسة الاولى، رأيت من واجبي قبل اتخاذ قرار نهائي بهذا الصدد ان اتفحص بروية معطيات الوضع العام وانعكاسها على مُختلف الميادين، وذلك لأتبين الامكانات التي يمكن ان تتوفر لي لخدمة بلدي وفقا لمفهومي الشخصي لهذا الواجب ولما يتطلبه هذا الوضع من اجل مستقبل البلاد ومستقبل ابنائها.

وفي ضوء الخبرة التي اكتسبتها خلال ممارستي المسؤوليات المُتعددة وخاصة في رئاسة الدولة، وانطلاقا من تطور الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن خلال نظرتي الخاصة لمعنى السلطة والمهمات التي يجب ان تؤديها لدولة والمهلة التي يجب ان تلازمها، ونظرا لما يمكن ان يتلاءم واسلوبي الخاص في العمل ولما يأمله ويتطلبهُ اللبنانيون من رجل خبر الحكم، يبدو لي الموقف على الوجه التالي:

ان المؤسسات السياسية اللبنانية والاصول التقليدية المُتبعة في العمل السياسي لم تعد في اعتقادي تُشكل اداة صالحة للنهوض بلبنان وفقا لما تفرضه السبعينات في جميع الميادين، ذلك ان مؤسساتنا التي تجاوزتها الانظمة الحديثة في كثير من النواحي سعيا وراء فعالية الحكم، وقوانيننا الانتخابية التي فرضتها احداث عابرة ومؤقتة، ونظامنا الاقتصادي الذي يسهل سوء تطبيقهِ قيام الاحتكارات، كل ذلك لا يفسح في المجال للقيام بعمل جدي على الصعيد الوطني.

ان الغاية من هذا العمل الجدي هو الوصول الى تركيز ديموقراطية برلمانية اصيلة صحيحة ومُستقرة، والى الغاء الاحتكارات ليتوفر العيش الكريم والحياة الفضلى للبنانيين في اطار نظام اقتصادي حُر سليم يُتيحُ سبل العمل وتكافؤ الفرص للمواطنين، بحيث تتأمن للجميع الافادة من عطاء الديموقراطية الاقتصادية والاجتماعية الحق.

ان الاتصالات العديدة التي اجريتها، والدراسات التي قمت بها عززت قناعتي بأن البلاد ليست مهيأة بعد ولا معدة لتقبل تحولات لا يمكنني تصور اعتمادها الا في اطار احترام الشرعية والحريات الاساسية التي طالما تمسكت بها.

وعلى ذلك واستنادا الى هذه المعطيات قررتُ أن لا اكون مرشحا لرئاسة الجمهورية. وفي الوقت الذي أعلنُ فيه قراري هذا اتوجهُ بالشكر الى السادة النواب والسياسيين والهيئات والمواطنين الذين اولوني ثقتهم مُتمنيا لهم التوفيق في خدمة لبنان”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *