محمّد علي شمس الدّين… شاعر عملاق في رحاب السّماء

Views: 236

ابتسام غنيمه

من جمال قرية بيت ياحون الجنوبيّة، إلى مكتبة جدّه الذي كان شيخ القرية، بدأ الطّفل محمّد علي شمس الدّين ينهل علومه، فكتب قصيدته الأولى في الثّالثة عشرة من عمره. واستمرّت مسيرة الإبداع الشّعريّ والطّريقة المميّزة في الكتابة لتبلغ أوجها مع صدور دواوينه تباعًا، بدءًا بـ “رسائل مهرّبة إلى حبيبتي آسيا” (1975) وصولًا إلى “كرسيّ على الزّبد” (2018).

واليوم، إذ تطوى صفحة مجيدة في تاريخ الشّعر في لبنان، تُفتح الصّفحات على الماضي القريب، فتعود بي الذّكريات إلى اثنتي عشرة سنة، إلى اتّصالي الأوّل به، ولم أكن أعرفه شخصيًّا آنذاك، حين اتّفقنا على موعد في أحد المقاهي في منطقة الحمراء، والتقينا لأسلّمه ديوان والدي الزّجليّ، متمنّية عليه إلقاء كلمة في ندوة تكريميّة ستقام بمناسبة إطلاق كتابه إذا وجد أن شعر والدي يستحقّ منه هذه الكلمة، ولم أقبل أن آخذ جوابًا في الحال، بل أمهلته كي يطّلع على الزّجليّات. فإذا به يهاتفني ليخبرني بأنّه سيكون أحد المنتدين. وهكذا كان.

أذكر لقائي الأوّل به: عينان تتكلّمان، تعكسان السّماء في يوم صاف، ووجه هادئ رصين يدفع بك إلى الصّمت تهيّبًا واحترامًا. كنت سعيدة جدًّا وأنا في حضرته، وتُوِّجت سعادتي بأن كتب أكثر من عشر صفحات في شعر والدي الرّاحل.

ومرّت السّنوات إلى أن بدأت تحقيق أعمال شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحاده، وكنت أحلم دائمًا بأنّ الشّاعر الكبير الدّكتور شمس الدّين لا بدّ من أن يكون متكلّمًا في ندوة تكريم هذا الشّاعر.

وعادت عقارب الزّمن إلى الوراء، وعدت تلك الفتاة الخائفة من الرّسوب في الامتحان وأنا أطلب منه أن يكون متكلّمًا في ندوة تكريم شاعر الكورة الخضراء، فقد كنت أعرف أنّ عملي لسنوات اليوم في الميزان، وقد أصبح بين يدي ناقد لا يحبّ المسايرة والمجاملة، إنّما دأبه الكلمة الصّادقة والنّقد المبنيّ على رؤيته الموضوعيّة لما يقرأ.

مرّتان قصدتكَ بهما متكلّمًا ولم تخذلني يا عملاق الشّعر، عملاق الكلمة، عملاق الأخلاق وسعة الدّراسات!

مرّتان شرّفتنا بحضورك الرّاقي فإذا بك تملأ المنبر بصوتك الدّافئ وهدوئك المعتاد…

حملتَ جرح الجنوب والجمال. كتبت في الحبّ والمرأة. دوّنت آيات خالدة في سجلّ الشّعر البهيّ الذي لأمثالك وُجد، ولأمثالك سيبقى تأريخًا للتّاريخ الأدبيّ.

رحلت إلى رحاب السّماء وتركت الشّعر يبكي كعادته كلّما فقد أحد أربابه، فيتساءل:

لمَن تتركون المنبر والصّفحات البيضاء؟

مَن سينحتني على صخرة الأيّام بإزميل الحرف المتوهّج عذوبة وسحرًا؟

إلى مَن ستسلّمون المشعل وقلّة مَن يجيدون إضاءة السّبيل؟

مَن سيرتدي من بعدكم ثوبي البهيّ؟

الشّعر يبكي، والوطن يبكي، والورقة تنوح بدموع ثكلى على خسارة لن تعوّض، في زمن خفتت فيه شرارة الكلمة وبدأت تخبو رويدًا رويدًا…

محمّد علي شمس الدّين، 

يا أغنية جنوبيّة غزت العالم مترجَمَة إلى العديد من اللّغات!

يا أسطورة تخبر عن مارد يُخرج من الفانوس الأبجديّ أجمل القصائد!

يا مالئ صفحات الدّراسات الأكاديميّة والنّقديّة!

يا مقلع الحرف المضمّخ بعطر الأرض والقيم!

إنّك شعلة لا تنطفئ وشمس لا تغيب…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *