اقتحام المودعين للمصارف يعيد للأذهان عملية “بنك أوف أميركا” قبل 49 عاماً

Views: 350

المحامي معوض رياض الحجل

شهدت الأيام الأخيرة، في ظل الوضع الامني والاقتصادي والاجتماعي المُتردي في لبنان، اقتحاماً مُسلحاً لفروع المصارف اللبنانية في مُختلف المناطق من قبل مودعين غاضبين، وذلك على عكس السنين السابقة، منذ بداية الثورة، حيث كان يدخل المواطنون الغاضبون إلى فروع المصارف المحلية ويكتفون بإعلان سخطهم وأستنكارهم لعدم تحصيل حقوقهم المشروعة المُتمثلة بالودائع المصرفية ثم ينشرون ذلك في مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف أيصال الصوت عالياً، على أمل تحصيل حقوقهم.

وقد أعادت هذه الأحداث غير المسبوقة وغير المألوفة في تاريخ لبنان، منذ نهاية الحرب في لبنان العام 1990، إلى الاذهان  ذكرى عملية أقتحام “بنك أوف أميركا” في العام 1973 وأعادت الحديث عن قائد تلك العملية، علي شعيب الذي أطلق عليه لقب “خاطف القلوب”، رغم أنهُ لقي مصرعهُ في تلك الحادثة التي وقعت قبل 49 عاماً.

 

18 تشرين الأول 1973

يوم الخميس الواقع في 18 تشرين الأول 1973، إبان “حرب تشرين” بين مصر وسوريا من جهة والعدو الاسرائيلي وحلفائه من جهة أخرى، أقتحم أربعة شبان لبنانيين مبنى “بنك الصناعة والعمل” في شارع المصارف وسط بيروت، والذي يَضمُ عدداً من فروع المصارف العالمية ومن ضمنها “بنك أوف أميركا”.

شَغلَ “بنك أوف أميركا” ثلاثة طوابق من المبنى المذكور، حيث توزعَ الشبان بقيادة علي شعيب، صاحب الأسم الحركي “سعيد”، وسيطروا على مكاتبهِ ومداخلهِ بالأسلحة الرشاشة التي أخفوها بأتقان تحت معاطفهم لتسهيل دخولهم من دون اثارة الانتباه أو الريبة.

كان عدد موظفي المصرف ساعة عملية الاقتحام المُسلح كبيراً، وقد بقي فقط 22 منهم بالاضافة الى عشرة زبائن مُحتجزين كرهائن تحت سيطرة المُسلحين.

وكان إلى جانب علي شعيب كل من عادل بو عاصي، وجهاد أسعد، وعامر فروخ.

 

“الحركة الثورية الاشتراكية اللبنانية”

 لكن لماذا هاجموا “بنك أوف أميركا” دون غيرهُ؟ ما الذي حَصلَ خلال عملية الاقتحام وحجز الرهائن؟ وكيف أنتهت العملية؟

يُقال إن هدف علي شعيب ورفاقه لم يكن نشر الرعب والسرقة، كونهم ليسوا بعصابة بل يَحملون فكراً أشتراكياً، دفعهم إلى تأسيس “الحركة الثورية الاشتراكية اللبنانية” إلى جانب كل من مرشد شبو وإبراهيم حطيط.

وقد كتبَ أحد المُسلحين على عمود عبارات باللون الاحمر والازرق، ومنها: ” عاشت الشعوب المُناضلة، إلى كل الجماهير اللبنانية تحياتنا ونعاهدها على مُتابعة مسيرة الكفاح ضد الامبريالية والصهيونية العالمية. عاش نضال الشعب العادل. عاشت الحركة الثورية الاشتراكية اللبنانية. والمجد والخلود لمسيرة التحرير والثورة التوقيع: مجموعة تشي غيفارا 14 10 73″.

وتم الترويج حينها أن عملية اقتحام فرع “بنك أوف أميركا” تهدفُ حصراً إلى ضرب المصالح الأميركية التجارية في لبنان عبر دفع عشرة ملايين دولار أميركي لمصلحة المحور الحربي السوري والمصري والفلسطيني، والطلب من الحكومة اللبنانية الإفراج فوراً عن جميع “الفدائيين” المُعتقلين لأسباب سياسية في سجونها، وإطلاق فوراً عدد من المُعتقلين بسبب أنتمائهم إلى “الحركة الثورية الاشتراكية اللبنانية” وترحيلهم إلى الجزائر أو اليمن.

وطلبت المجموعة المُسلحة من السفير الجزائري في لبنان وقتذاك، محمد يزيد، أن يكون وسيطاً، حيث تضمنت الخطة هروب علي شعيب ورفاقه إلى الجزائر في حال نجاح العملية.

 

التهديد بقتل الرهائن

وهددت المجموعة المُسلحة بقتل عددٍ من الرهائن ضمن مهلةٍ مُحددة في حال عدم تلبية كافة مطالبها. إلا أن هذه المهلة تأجلت عدة مرات بسبب المفاوضات المضنية لساعات وساعات بين المجموعة المُقتحمة والسلطات اللبنانية الرسمية مُمثلة بوزير الداخلية آنذاك، الشيخ بهيج تقي الدين، والسفير الجزائري، إضافة إلى السفير الأميركي ويليام بوفوم الذي كان يُرسل البرقيات إلى الادارة الاميركية في واشنطن لنقل تطورات الموقف، كون المواطن الأميركي جون كرافورد ماكسويل، كان بين الرهائن المُحتجزين داخل المصرف.

حتى الخامسة من صباح الجمعة أي التاسع عشر من تشرين الاول 1973 كان يَعتبر المُسلحون الموقف التفاوضي يَميلُ إلى جانبهم، وعند الظهر تَبدلَ كل المشهد مع أطلاقهم الانذار الاخير. وفي هذه الفترة قام الرهينة الاميركي جون ماكسويل، وهو مُمثل شركة تجارية، بعدة اتصالات هاتفية مع السفارة الاميركية في بيروت، بناء لطلب علي شعيب، ورجاهُ أن لا يقتلهُ، مُتعهداً باقناع السفارة أو المصرف على دفع المبلغ المطلوب.

وفي هذه الاثناء فوجئ علي شعيب بفرار اثنين من الرهائن الموظفين هما جيلبير جبر وفريد عويضة. وقبل ساعة ونصف الساعة من موعد أنتهاء الإنذار الأخير، أي الساعة 12، والذي كان يقضي بقتل رهينة كل ربع ساعة، جَهزَ علي شعيب المُتفجرات وأعدها للاشتعال والانفجار في اللحظةِ المُناسبة.

وقبيل الساعة الحادية عشرة بدقائق، أمرَعلي شعيب الرهائن بالوقوف جانباً، بإستثناء الرهينة الأميركي جون ماكسويل. وقالت مصادر التحقيق حينها أن علي شعيب كان يأمرُ الرهينة الأميركي بالركوع ثم الوقوف ثم الجلوس.

 

القوى الأمنية تداهم المصرف

وفي هذه اللحظة كان رجال الشرطة المُكلفون بعملية المداهمة قد أتخذوا مواقعهم القتالية في الطابق الرابع المُطل على الطابق الثالث حيث الرهائن مُحتجزين.

يُقال أنعلي شعيب وبقية المجموعة المُسلحة لم يناما بتاتاً ليل الخميس الجمعة لتوقعهم حصول عملية مُداهمة من قبل القوى الامنية اللبنانية ومن أجل ذلك حَصنَ كل منهم نفسهُ ضمن دائرة بشرية من الرهائن الذين تم أحصاء هوياتهم وجنسياتهم فور تنفيذ عملية الهجوم ظهر الخميس، ثم قبعوا ينتظرون موعد أنتهاء مهلة الانذار في الصباح.

كما كان مُتوقعاً تبنت السلطات اللبنانية الحل الأمني سبيلاً لإنهاء العملية، فبعدَ مفاوضات دامت أكثر من ستة وعشرين ساعة مُتواصلة، أقتحمت القوى الأمنية اللبنانية مكاتب المصرف وأردت علي وجهاد قتيلين، فيما قبضت على عادل مُتخفياً بين الرهائن، أما عامر فقد قُبض عليه وكشفَ أمرهُ بعد ساعة من بدء العملية إبان محاولتهِ الخروج من المبنى والهرب عقب إصابتهِ في تبادل إطلاق نار مع أحد أفراد الشرطة.

خلال لحظات مُداهمة ” بنك أوف أميركا” لانقاذ الرهائن نجا رجال الأمن والموظفون من كارثة رهيبة. فقد أكتشفت عبوة ناسفة من الديناميت وزنها خمسة كيلوغرامات من شأنها أن تُدمر الطابق على من فيه، وتبينَ أن قائد المجموعة المُسلحة علي شعيب أشعلَ فتيلها في لحظة المداهمة الا أنهُ قتلَ وأنطفأ الفتيل عند حد البارود.

وكشفت مصادر التحقيق حينها عن أن تهديد المُسلحين بنسف مبنى المصرف على من فيه من الرهائن، كان جدياً.

وعُلم حينها أن مدير فرع المصرف الاميركي كريستيان هولنور كان مُستعداً لانقاذ الموقف من خلال دفع المبلغ الذي طلبهُ المُسلحون كفدية مالية للافراج عن كل الموظفين والزبائن ولكن كان للحكومة اللبنانية قرار آخر وهو قرار صعب ومُكلف.

كانت فرقة المُداهمة بأمرة العقيد هشام قريطم قائد الشرطة، الذي كانت مهمتهُ أطلاق اشارة الهجوم، وعُهدَ بعملية المُداهمة إلى عددٍ من رجال الفرقة 16 المزودين بكمامات واقية من الغاز المُسيل للدموع وبالدروع المضادة للرصاص، وببنادق حديثة الطراز زودت كل منها بمنظار مُتطور.

وقاد عملية الاقتحام مُباشرةً كل من الضباط: النقيب جورج نجيم، المُلازم أول صالح الرفاعي والمُلازمون: نديم حمدان وطلال الحاج ومروان شربل.

 

كيف حصلت عملية المداهمة من قبل قوى الامن؟

حوالي الساعة الحادية عشرة والربع، سمعَ من كان في الطابق الثالث صدى انفجار قنبلة، وهي القنبلة التي القاها قائد الشرطة أيذاناً ببدء عملية المُداهمة.

في هذه اللحظات كان علي شعيب لا يزال يُصدرُ أوامرهُ إلى الرهينة الأميركي بالوقوف والجلوس، وما أن سمعَ صوت القنبلة حتى عاجلهُ برشقٍ من رصاص رشاشهِ الحربي، فرماهُ قتيلاً.

وسَقطَ الاميركي جثة هامدة بين الرهائن، وأصيب الموظف عمر العيتاني برصاصة، وقال حينها إن علي شعيب أطلقها عليهِ قصداً، لأنهُ أنفعلَ مما حدثَ، وهنا حصلت عملية المداهمة، ويقول عمر إن علي شعيب قُتل بينما كان يُحاول العودة إلى قتلهِ هو.

رحّبت الحكومة اللبنانية بنجاح العملية باقل الخسائر، وطلب حينها الرئيس الراحل سليمان فرنجية بضرورة تعزيز الاجراءات الأمنية بما يحفظ سلامة المواطنين وأمنهم.

 

إن كل ما سردناه أعلاه من تفاصيل ومعلومات يوصلنا إلى القول إن العنف ليس هو الحل السحري لتحصيل الحقوق وإلا أصبحنا نعيش في ظل شريعة الغاب بدل العيش في دولة القانون والمؤسسات. صحيح أن وجع المودعين كبير وكبير جداً، ولكنهُ لا يُبرر تهديد الأمن والسلم الاهلي ولا سلامة المواطنين الابرياء الذين ذنبهم الوحيد هو وجودهم داخل فروع المصارف التي تمت عملية اقتحامها. الشيء الايجابي الوحيد مما حصلَ مؤخراً كما الذي حصلَ في العام 1973 هو ايصال الصرخة والصوت عالياً لجميع المصارف والدول الكبرى ولمنظمة الامم المُتحدة بضرورة التحرك سريعاً لوقف التدهور وعدم الاكتفاء ببيانات الدعم المعنوي للبنان وسيادته واستقلالهِ والتي لا تساهم في إيجاد مخرج للازمة التي يعيشها الشعب اللبناني منذُ عقود.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *