أموال المودعين في حمى الدستور

Views: 188

المحامي زغلول عطيه

(عضو سابق في المجلس الدستوري)

 

كثرت وتكثر المصطلحات المستعملة في وسائل الاعلام ومن قبل بعض المسؤولين في توصيف الوضع القانوني لأموال المودعين في المصارف. 

ان القول بوجود “خسائر” أدت الى “فجوة” في مالية الدولة والمصرف المركزي والمصارف التجارية، انما يبقى مجرّد تعريف خبيث الغاية منه تغطية تحميل المودعين قسما من الدين المترتب على هذه المرجعيات والمؤسسات. 

ان المودع مالاً في مصرف تجاري، لم يمارس التجارة ولا اي عمل آخر يؤدي الى حصول خسارة في ماله، بل ان ماله وايداعاته هي امانة ووديعة لدى المصارف التجارية ينبغي اعادتها اليه كاملة غير منقوصة، عينا ام بمثل ما يعادلها. 

والمقصود بمثل ما يعادلها هو القيمة الحقيقية لأي عملة اجنبية مودعة لدى المصرف، مقابل النقد اللبناني، وليس بقيم تحدد بتعاميم من المصرف المركزي او بتعامل من قبل المصارف غير مسند الى احكام القانون. 

ونتيجة للزعم ان هناك خسائر يجب تغطيتها، يدور البحث والحديث عن مشاريع قوانين تهدف الى كيفية توزيع هذه الخسائر، واي جزء منها يتحمله المودع، وبأي وسيلة او اسلوب، ايا كان عنوان هذه الوسيلة. 

ان التوصيف الصحيح لأموال المودعين يقضي باعتبار هذه الاموال دينا بذمة المصارف التي لها هي ايضا دين بذمة المصرف المركزي والدولة اللبنانية، ذلك ان المصارف قد قامت بأقراض المصرف المركزي والدولة من اموال المودعين.

 

استنادا الى ما تقدم يكون كل بحث في قوانين تحد من حق المودع في وديعته، اي ماله، وايا كان اسلوب هذا الحد، مخالف لأحكام الدستور. 

فالمادة 15 من الدستور اللبناني، تقول: “الملكية في حمى القانون”…

والنص جاء مطلقا ولم يفرق بين ملكية مال من نوع معين، وبين ملكية مال من نوع آخر، فالملكية، بنوعيها، المنقول وغير المنقول، وضعها الدستور ( المادة 15) بحمى  القانون. 

                (ادمون رباط – الوسيط في القانون الدستوري اللبناني ص 873 ) 

ويشرح الدكتور رباط في مؤلفه الصادر باللغة الفرنسية، وعنوانه مترجماً “الدستور اللبناني، اصوله واحكامه وتفسيرها” وذلك في شرحه لأحكام المادة 15 من الدستور، ما ترجمته: 

” ان الملكية الفردية (الخاصة ) تتمتع بحكم النص الدستوري، بطبيعة قانونية ترتقي الى اعلى مستوى، مما يضعها في ضمن الحقوق الدستورية”.

اذا، فالملكية الخاصة، ومنها ملكية المال النقدي، هي من الحقوق الدستورية للفرد لا يجوز التعدي عليها. 

في هذا الموضوع، وفي معرض طعن امام المحكمة الدستورية العليا في مصر، ورد في قرار المحكمة التعليل التالي: 

“وحيث انه متى كان ذلك، وكانت الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان وفقاً لنص المادة 34 منه، لا تعتبر منحصرة في الملكية الفردية كحق عيني أصلي تتفرع عنه الحقوق العينية جميعها ويعتبر جماعها وأوسعها نطاقاً، بل تمتد هذه الحماية الى الاموال جميعها دون تمييز بينها باعتبار ان المال هو الحق ذو القيمة المالية سواء كان هذا الحق شخصيا ام عينيا أم كان من حقوق الملكية الادبية او الفنية او الصناعية…… ويتعين بالتالي ان تمتد الحماية المنصوص عليها في المادة 34 من الدستور الى الحقوق الشخصية والعينية على سواء، ذلك ان التمييز بينهما في مجال هذه الحماية ينافي مقاصد الدستور في سعيها لتأمين الاموال جميعها من العدوان عليها وبما يردع مغتصبيها”.

      ( منشور في كتاب “شرح قانون المحاماة للمستشار، رئيس محكمة الاستئناف،

معوض عبد التواب، ص 189 ) 

ويجدر بنا الاشارة الى قول الدكتور رباط ان المادة 15من الدستور اللبناني مستوحاة من الدستور المصري.

وعليه 

أن اي تشريع او قانون يقره المجلس النيابي ويحد او ينتقص من حق المودع في استعادة وديعته كاملة غير منقوصة، التي هي من حقوقه الدستورية وفي حمى الدستور، انما يكون مخالفا لأحكام المادة 15 من الدستور، وبالتالي يكون عرضة للطعن فيه امام المجلس الدستوري. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *