أوائل الصحف والمجلات العربية في الولايات المتحدة الاميركية

Views: 369

المحامي معوض رياض الحجل

على غرار الثورة الصناعية في أوروبا، شهدت مدينة نيويورك الأميركية، ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، ثورة من نوع آخر، أبطالها مُهاجرون عرب هربوا قصراً من ظلم السلطنة العثمانية وبطشها فأرادوا تحدي أنفسهم في بلاد الاغتراب من خلال أصدار مجلات أدبية وصحف يومية تكون بمثابة المشعل لابناء الجاليات العربية في الولايات المتحدة الاميركية ومُتنفس لهم للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بكل حرية. هذه المجلات والصحف شكّلت الصوت الصارخ القائل أن الظلم سينتهي قريباً والحرية آتية لا محالة ولو بعد زمن لجميع الشعوب المقهورة.

سلوم مكرزل

 

“السائح” و”الهدى”

قد نحتاج الى كتب ومُجلدات ضخمة للحديث عن الصحف والمجلات الذائعة الصيت بين أبناء  الجالية العربية في المهجر. سنتكلم على سبيل المثال لا الحصر عن بعض هذه المجلات ومنها مجلة “السائح” التي بدأت في الصدور العام 1912. وكان مؤسساها الأخوان عبد المسيح وندرة حداد اللذان قد هاجرا من مدينة حمص في سوريا. وصلَ ندرة حداد نيويورك أولاً في عام 1897. ووصلَ أخوه عبد المسيح بعدهُ بعشر سنوات في العام 1907. وكان مؤسسا “السائح” من الأدباء العرب في الولايات المُتحدة الاميركية ومن أعضاء الرابطة القلمية المعروفين. وقد نَشرت هذه المجلة، بالاضافة إلى كتابات ندره وعبد المسيح حداد، مقالات وشعر لكتاب وشعراء معروفين، مثل أيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وغيرهم.

وكانت مجلة “السائح” مثلاً رفيعاً لمُستوى الادب العربي بين الصحف والمجلات التي ظهرت في المهجر الأميركي. وقد صَدرَ عددٌ خاص منها في عام 1925 كان خير مثال للكتابات العربية والأدب العربي. ومن بين ما أحتوى عليه هذا العدد مقالات وأشعار لعباس محمود العقاد ونقولا فياض ومحمود حلمي طيارة وجبران خليل جبران ونسيب عريضة وميخائيل نعيمة وفيليب حتي وعبد المسيح حداد وجليل عساف وأيليا أبو ماضي وأسكندر يازجي ورشيد أيوب وغيرهم، وأصبحت معظم محتويات هذا العدد الخاص أمثلة رفيعة للادب العربي طبعت، وأعيد طبعها بأزمنة مُختلفة ومناطق عديدة من الوطن العربي وفي أواخر خمسينات القرن العشرين، بَاعَ عبد المسيح حداد مجلة ” السائح” (التي كانت قد تحولت إلى جريدة) وموجوداتها إلى راجي الظاهر، صاحب جريدة “البيان“.

ثم أن سلوم مكرزل شقيق نعوم مكرزل كان هو أيضاً ممن لهم تاريخ حافل في صحافة المهجر الأميركي. ففي عام 1910 أسسَ جريدة ” بريد أميركا” التي لم تُعمر سوى شهور خمسة. حيث أن شقيقهُ نعوم مكرزل، الذي كان يُصدرُ صحيفة “الهدى” في ذلك الوقت، أقنعَ سلوم مكرزل بالتوقف عن أصدار ” بريد أميركا” لكي لا تنافس شقيقتها جريدة “الهدى”. 

ولكن سلوم مكرزل عَادَ بعد سنين قليلة فأصدر مجلة بإسم “المجلة التجارية” كانت تحتوي على أخبار النشاطات التجارية للجالية اللبنانية الأميركية في المهجر. وفي عام 1926 أوقفَأصدار مجلته التجارية هذه ليبدأ بإصدار مجلة أخرى بعنوان ” العالم السوري” وكانت العالم السوري هذه تصدرُ شهرياً وباللغة الانكليزية. وكانت تختلفُ عن سابقاتها بكونها تعنى بالادب والتاريخ والفن. كما أنها كانت موجهة إلى الجيل الجديد من المُهاجرين العرب الذين ولدوا في المهجر الأميركي ليتسنى لهم التعرف على أدبهم وتاريخهم في موطنهم الاصلي. 

وفي عام 1932أحجمَ سلوم مكرزل عن أصدار مجلة ” العالم السوري” ليتسنى لهُأنهاء مسيرة شقيقهالراحل نعوم مكرزل في صحيفة ” الهدى” حيث أن شقيقهُ نعوم توفي في ذلك العام.

عبد المسيح حداد

 

“الفنون” مجلة أدبية مهجرية

أما نسيب عريضة، وهو مُهاجر عربي آخر، فقد قدمَ إلى الولايات المُتحدة الأميركية عام 1905 وسَكنَ في مدينة نيويورك وأصدرَ بالاشتراك مع نظمي نسيم مجلة عربية شهرية باسم “الفنون” في عام 1912. وكانت مجلة “الفنون” هذه من أولى مجلات المهجر التي رفعت راية النهضة الادبية وعنيت بالأدب العربي وبترجمات عن الاداب الاجنبية. وقد نَشرَ العديد من الأدباء العرب المعروفين أنذاك في المهجر الاميركي، والذين كان معظمهم من أعضاء الرابطة القلمية، نتاجهمالابداعي في هذهِ المجلة. ونشرت المجلة بواكير أدب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة. وكان نسيب عريضة، قبل أصدارهِ مجلة “الفنون“، يُحرر في صحف ومجلات عربية أخرى في نيويورك مثل الهُدى والسائح ومرآة الغرب. وكانت بعض كتاباتهِ بإسمهِ الصريح والبعض الاخر بإسماء مُستعارة مثل ” اليف”. وعلى الرغم من المستوى الادبي الرفيع للمجلة فإن القراء لم يقبلوا عليها أقبالاً يؤمن لها الاستمرارية. فكانت تحتجب عن الصدور تارةً ثم تعودُ للظهور تارةًأخرى تبعاً لتردد المُشتركين بين المُماطلة والمُناصرة. وأستمرَ عريضة في عملهِ الصحفي الدؤوب ومجهودهِ الأدبي الابداعي بين أبناء الجالية العربية في المهجر الاميركي حتى رحيلهِ عام 1946. 

ندره حداد

 

هذا وأن مجلة “الفنون” كانت قد توقفت عن الصدور مع بدايةِ معارك الحرب الكبرى ثمَ عادت إلى الصدور في عام 1916. الا أنها أضطرت مُجدداًولاسبابٍ ماديةإلى الاحتجاب عن الصدور في عام 1918.

وفي عام 1921 أصدرَ القس نسيب وهبي صحيفة عربية في مدينة ديترويت باسم ” صحيفة الحرية ” ولم يُعرف الكثير عن هذه الصحيفة حيث أنها توقفت عن الصدور بعد فترة قصيرة من صدورها. 

نعوم مكرزل

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *