بالقهوة البحريّة

Views: 248

د. جان توما

مع زياد غالب، تأتي المدنُ البحريّةُ من جوفِ البحرِ كقصصِ البحارة، أو مغامراتِ السندباد، أو كفانوس علاء الدين. غريبٌ كيف يشتغلُ الرسّام بكبكوب صوف الألوان، لوحةَ عمر؟ 

هنا، يصدحُ المكان والزمان، هنا، يفرحُ العالمُ بكرسي من خيزران، “بالقهوه البحرية اطّلع بايديك، وتشرب من فنجانك، و اشرب من عينيك”.

 ما عادتِ الكلمةُ تنفعُ وصفًا في فنّ زياد.لعلّه يكتبُ بالألوان قصيدةَ حبّ لمدينةٍ مالحة.  رحم الله والده الفنان محمد غالب،  الذي رمى شابكته في قلبِ ابنه، فانتشله من جرنِ قوس القزح، مشدوهًا بلعبةِ اللون، كما تتقنُ الأجنحةُ لعبةَ الهواء.

يتَنَفَّسُ زياد لوحاتٍ بريشته، كي ننعمَ بنسيم الإبداع وجمالاتِ ما كان،  قبل أن تضربَ الريحُ شراعَ السفر، وخسرانَ الزمن الجميل. هذه لوحةٌ لا تليقُ بحيطان، بل بموجِ وأفق، فإعادةُ تركيب جوّ المدينة نوعٌ من استعادةِ الزمن الجميل، والوجوه الاليفة، وراحةِ أمّ، وحبيباتِ عرقٍ على جبين أب.

كثيرون لا يتركون المدينةَ في هدأتها. يعيدون رسمَ هويّتها بحثًا عن جذورهم. غريبٌ ،كيف ينعشُ الماءُ المالحُ شرايينَ العمرِ الجافة، ويضخُّ فيها ماءَ الشباب، فتغدو الشرايينُ، تلك الزواريب القديمة، والأحياء المقدّسة، فيبدو الراسمُ والمرسومُ واحدا في المقصد، والمنعطف، والنبض.

تفتش في اللوحة عن الملامح، وتتمتم بالأسماء المنسية، فتجد نفسك:”عدّيت الأسامي، ومحيت الأسامي،ونامي يا عينيّي إذا رح فيكي تنامي، وبعدو هالحنين من خلف الحنين بالدّمع يغرّقني بأسامي المنسيّين،تَ أعرف لمين.. وما بعرف لمين”.

***

*اللوحة للفنان زياد غالب في المدينة البحرية، الميناء، طرابلس

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *