حديث الغياب والشوق في “اعتراف و حنين”  لكلود صوما

Views: 1726

أنطوان يزبك

  الذي يراقب عن كثب كتابات كلود صوما ومن ثمّ ينتقل بالتتابع إلى مراقبة الصفاء الهادئ في عينيها ، يدرك يقينا كم تخفي وراء نظراتها من حبّ كبير جارف والكثير الكثير ، من الشوق والحنين الخريفي المحمّل بالنسائم الباردة المنعشة ، بعد حرّ الصيف وعواصف الشتاء العاتية .

 إنه شوق إلى كائن بعيد من وحي الروح والجسد ، شوق إلى لقاء لم يحصل ، أو انتظار متعب ولكن مؤنس وعذب لحالة خاصة مجبولة بالغبطة الفريدة ؛ بيد أنها لم تحصل مع الأسف ، هكذا هي كلود في حديثها الداخلي ، في عملية استرجاع متواصلة لماض عذب ، وهي تتقلب ،في قلب العاطفة الجامحة التي بوصلتها الكون الذي صنعته من فيض حب ؛ تستلّ كلماتها بشغف وينتفض قلمها من فرط الحب واتحاده اتحادا عضويا بفيض التعبير،   فالحالة الشعرية هي النقطة التي ينضح بها الوعاء ، كلود تكتب كل يوم أبجدية الفراق مذكرة بعنوان  رواية لأحلام مستغانمي عنوانها   ” شهيا كفراق”.  وبالله عليكم كيف يكون الفراق شهيا ؟

أمّا كلود فتعترف أن غياب الحبيب ليس سوى لؤم ، إنه الوجع بحدّ ذاته وليس أي شيء آخر ، إنه المحفّز الحقيقي لكلّ كتابة حقيقية غير معدّلة أو مشوّهة مهما حاولنا أن نزيد عليها من صباغ أو اكسسوارات أو أوهام ، نعم نشعر بأن الأرض خالية لا بل تميد  من تحت أقدامنا ونسقط في هذا الخواء الكبير ونحلق في دوّامة  “نزولا” بدل أن نطير إلى فوق إلى سابع سماء كما هو حال كل الاطيار و كائنات السماء والفضاء.

 هي روحها الجميلة التي تود كلود أن تظهرها وتكمل بواسطتها دورة الشعاع الكوني الذي يلفّ الأرض كل صباح وينبثق من الـ “اورا” الروحيّة التي تبثها أرواح العشّاق وتعود لتصب في أتون نار العشق الأبديّة،  تقول كلود في نصها :

ثم كيف لغيابكَ ان يخلّف هذا الوجع اللئيم ، ان يترك هذا الفراغ الكبير ، وكأن الارض خالية من البشر ؟

قالت ، وقد قررت ان تضع له نقطة في آخر سطر من القصيدة !

من انينٍ يضنيها الى حنينٍ يكّبلها ، تحيك ثوب القصيدة وتطّرزها بقوافي الشوق  ..

“سأسرق من الزمن ابتسامةً بيضاء !

ساكّحل عينيّ بشغف اللقاء ، واجمع خصلات شعري بجديلة من صبرٍ وانتظار ..”

بعد الغياب، أين يجدر بنا الذهاب وقد هدهدنا الرحيل وألبسنا النسيانُ ثوبًا فضفاضًا لا يليق بنا ؟؟”

كلام جميل عابر إلى أبعد مكان في  ملكوت العشق ، بعد طول انتظار ، عروس حانية تلبس اجمل ما لديها للقاء من تحب ، أمل كبير من أجل سعادة منسوجة من أغاني عصافير الحب الفردوسيّة  وقيثارات اورفية، تعيد سيرة العاشقين إلى المشهد الأول ، حين ارتبط اول عاشق بأول عاشقة….

في قصيدة ” العزلة” للشاعر الرومنسي الرائع الفونس دو لامارتين و التي يذكر فيها حبيبته جولي شارل وقد فقدها بسبب المرض ، يقول فيها جملته الشهيرة :

تفقد شخصا واحدا عزيزا

وكل شيء من حولك يستحيل صحراء . 

هكذا كلود تحدثنا عن مرارة الفراق بيد أنها تعيد إلينا نسمة الأمل مع اللقاء في آخر المشوار..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *