كتابة في الحيّ القديم

Views: 72

د. جان توما

تكرج في شرايين الأزقة العتيقة، فلا تعرف إن كانت تجري فيك ،أم تجري فيها. تعرف أمرًا واحدًا أنّ الفيحاء مدينة ليست كالمدن، إذ قليلة هي المدن التي تدخلها وتخرج منها، إلّا هي إن دخلتها يومًا بحبٍّ، ورحلت، تجد أنّها لم تخرج منك.

فرادة هذه المدينة في أهلها، في تقاسمهم رزق الأرض وملح البحر. غريب أمر أبنائها، يعتصمون بحبل الله تعالى، ليل نهار، في أدعية صياديها، وهم خارجون إلى بحرهم، وفي تمتمات حرفيّها، حين يتقنون بقلوبهم ما خرج من بين أياديهم إبداعا فوق إبداع، وفي انتظارات النساء الرتيبة لعودة رجالهن من الترحال بحرًا، ليفرح الاولاد بحكايات السندباد والرحّالة والمغامرات.

ما زال أهل الأحياء العتيقة على عفوياتهم التي لم يبلبلها ما يجري خارج تنكات الزهر، أمام مدخل البيت، أو خلف ياسمينة السور المتهالك، أو عند اليمام المستريح على سطح مشربيّة، نسي التاريخ صفحات كتابه مبعثرة بين ثقوبها وفي مسام الذين خرجوا من هذه الشابكات الحيّة الإنسانيّة، إلى الشابكات المعاصرة المعقّدة الباردة.

راح عهد بناء مثل هذه الزواريب المتثائبة، الممتدّة كالحيّ القديم، وجاءت الأبنية الشاهقة مختصرة الحيّ السكني ، الممتدّ أفقيا، بالخطّ العمودي الشاهق، فساد الشائك على الشائق، وراح مدى الزاروب الرحب في ضيق الشوارع الجديدة.

***

*الصورة حيّ في الميناء – من صفحة الدكتور الشيخ ماجد الدرويش

(Phentermine)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *