التجربة الإنسانية من منظور اجتماعي في كتاب “ثمار الحبّ” لـ الروائية لطيفة الحاج قديح

Views: 314

بحضور ثُلة من الإعلاميين والكتاب والأصدقاء والمهتمين، وقّعت الروائية الدكتورة “لطيفة الحاج قديح” مجموعتها القصصية الجديدة الموسومة بعنوان ” ثمار الحبّ” في معرض بيروت الدولي للكتاب ( بيال سابقاً) جناح دار البيان العربي. وهذه المجموعة القصصية هي الإصدار التاسع للأديبة بعد ست روايات وسلسلة كتب مقامات نون النسوة (ثلاثة مؤلفات). والمجموعة عبارة عن قصص قصيرة تحمل العناوين التالية: ثمار الحب، رصاصة الرحمة، من أجل ضحكتها، بائع الجرائد، البائستان، وأنا والبحر .

أما مواضيع هذه القصص فمستلة من الواقع المعيش الذي يشكل مرجعاً لها، وتتجلى فيها التجربة الإنسانية التي ترى بعين ناقدة تسبر أغوار الواقع من منظور اجتماعي ثقافي تربوي قيمي، وتكشف مواطن الخلل في المجتمع، تماماً كما يفعل الجراح الذي يدخل الناضور في أحشاء المريض ليكشف العلة. ولا تكتفي المؤلفة بالكشف عن الخلل وإنما تشير أيضاً إلى الحلول ..

ولا تنسى الكاتبة في غير قصة من القصص الانطلاق برؤية جمالية إلى الواقع الاقتصادي المتردّي الذي آلت إليه أحوال البلاد والعباد في السنوات الأخيرة.

…أما مسرح هذه القصص، فهو شاطىء مدينة بيروت الحبيبة ولا سيما “كورنيشها” البحري الساحر الذي يشكل الرئة الطبيعية التي تتنفس المدينة من خلاله، وهو ملتقى كل طبقات المجتمع الغني منهم والفقير، يسعون إليه صيفاً وشتاء للنزهة والراحة، ليرمون بهمومهم في بحره الشاسع.  

 

وفي إحدى هذه القصص “أنا والبحر” تستعيد الكاتبة بعض صور عاصمتنا الحبيبة في  الستينيات وما قبلها ولا سيما الشاطىء الجميل الممتد على طول الشريط الساحلي، (من بيروت إلى خلدة) الذي كان يضم أجمل المسابح والمطاعم كمسبحي “السان سيمون” و”السان ميشال” وغيرهما الذين كانوا قبلة السياح والمصطافين يقصدونهما  من كل حدب وصوب للاستمتاع بمياه البحر اللازوردية  الدافئة ورماله السمراء الناعمة. وكذلك مطعم السلطان ابراهيم الفخم الذي أعطى اسمه للمنطقة… وكانت  العرازيل تنتشر على طول ذلك الشاطىء( الأوزاعي) كما تنتشر زهرات السكوكع في حقول الربيع الخضراء.  تلك العرازيل كانت تشكل لأهالي المدينة وضواحيها أمكنة يستأجرونها للاستجمام والسباحة…         

ولم تستطع الكاتبة تجاهل السنوات الطويلة التي أمضتها في التعليم والإدارة المدرسية … فكان لا بد لها من أن تستلّ من تجربتها التربوية الغنية مواضيعاً لبعض تلك القصص ومنها قصة “رصاصة الرحمة”. وكيف لا، ووظيفة الأدب إلقاء الضوء على مشاكل الحياة  وتفتيق أغشيتها  واجتراح الحلول حيث لا تكتفي الكاتبة بكشف سر بطلة القصة “محاسن هلال”  الطالبة اللعوب، والمعيدة لسنتين،  بل تشير  إلى موضع الخلل في سلوكها وأسبابه، وتصف أيضاً العلاج . ومن أحداث القصة   أن مديرة الثانوية حيث تتعلم محاسن تنجح في اكتشاف سرها وأسباب فشلها الدراسي كما أسباب تصرفاتها الهوجاء اللامسؤولة وتنجح في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. فكيف تم ذلك يا ترى؟ ..

وكذلك في قصة “بائع الجرائد” بعد أن مرّ بطل القصة جاد بظروف قاهره أوقعته في براثن الفقر والعوز ما اضطره للنزول إلى سوق العمل وهو بعد تلميذ مراهق، ومع ذلك فلم يتركه القدر أو يهادنه بل أصابه بإعاقة كبيرة، ولكن ذلك كله لم يثن عزيمته عن الكفاح، فاجتهد وتعلّم حتى دخل الجامعة وتخطى الصعوبات ما جعله  يتخطى إعاقته وينجح في الحياة على الرغم من الظروف الصعبة الذي أحاطت به…

أما قصة ثمار الحب التي أعطت عنوانها للمجموعة كلها فتتحدث عن تلقائية الحبّ بين أفراد العائلة الواحدة ما جعل “ثمار الحبّ” اليانعة تفيض على العجوز وحفيدتها بسعادة لم تكونا لتحلما بها…

وهناك قصة بعنوان البائستان تلقي ضوءا كاشفا على وجهي مدية بيروت: الوجه المتألق جمالاً وإشعاعاً وضوءاً (وجه العاصمة ما قبل الحرب الأهلية البغيضة) والوجه الآخر، وهو وجه العوز والفاقة بعد الضائقة الاقتصادية التي ألمت بالبلاد والعباد..

وتُبرز تلك القصة ذلك التناقض العجيب بين الأحياء الفقيرة المتاخمة للأحياء الفخمة وبين طبقة الأغنياء  الذين ينعمون برغد العيش وبحبوحته، وطبقة الفقراء ( الناس اللي فوق والناس اللي تحت..)

ثمار الحبّ مجموعة قصص ، كتبت بعناية بأسلوب مشوّق جميل، وهي تستحق القراءة وأن تكون في مكتبات الجامعات والمدارس والنوادي وخلافه…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *