مئة عام على صدور كتاب “النبي” لجبران… “كتبني ولم أكتبه واستغرق حياتي”

Views: 364

سليمان بختي

منذ صدور كتاب “النبي” بالإنكليزية عام 1923 لجبران خليل جبران (1883-1931) ولم يزل في سطوعه المتعدد.

هذا الكتاب الذي مضى على صدوره مائة عام هو رائعة جبران وذروة أعماله وصانع شهرته.

ولكن ما هي قصة هذا الكتاب؟ وكيف ولدت فكرته في خيال جبران؟

وضع جبران بذوره الأولى وهو لم يزل على مقاعد الدراسة في مدرسة الحكمة في بيروت. لكنه أهمله بناء على نصيحة والدته. وبعد خمس سنوات عاودته فكرة الكتاب لكنه وضعه جانبا. مستذكرا رأي والدته كاملة رحمه.

بربارة يونغ

 

تروي بربارة يونغ في كتابها ” هذا الرجل من لبنان” (ترجمة هنري زغيب) أن كتاب النبي حمله جبران معه من بيروت إلى باريس إلى بوسطن حيث قرأ لوالدته على سرير المرض ما كتبه عن المصطفى الشاعر.

ولكن بالحكمة التي تعالج بها فتاها في طفولته وفي ثقته بمواهبه، قالت له:”جيد عملك يا جبران، لكن وقته لم يحن بعد”.

وهكذا كان.

ولكنه وبعد عشر سنوات ترك النص العربي نهائيا ليحرره بالإنكليزية ويصدره في نيويورك.

وهو الذي كتب الى مي زيادة يقول:” فكرت بكتابته منذ ألف عام”.

لماذا أصاب الكتاب نجاحا؟

برأي صديقه الأديب ميخائيل نعيمه ( 1889-1988) أن جانبا من نجاح الكتاب – الكتيب الغريب- هو في الاختيار الملهم للعنوان  وهكذا بكلمة واحدة، رفع جبران الفنان قمة شعر جبران الشاعر الى مستوى النبوءة وحتى قبل أن يتفوه به”.

وجبران نفسه يجيب على سؤال نعيمه كيف صمم النبي وكتبه بالقول:”وهل أنا كتبته؟ كلا، بل هو كتبني. شغل هذا الكتاب كل حياتي. كنت أريد أن أتأكد من أن كل كلمة كانت حقا أفضل ما أستطيع”.

أول نسخة من الكتاب وصلت الى ماري هاسكل؟ تلقته بفرح غامر وكتبت إليه في أكتوبر 1923 “الحبيب خليل، ها قد وصلني “النبي” اليوم ….سيكون هذا الكتاب في المستقبل أحد رموز الأدب الإنكليزي. وفي ساعات الظلمة التي سنمر بها سنفتحه لنكتشف أنفسنا من جديد،  ولنجد أيضا في نفوسنا السماء والأرض ثانية. إنه من بين ما خطه الإنسان أكثر الكتب امتلاء بالمحبة”.

وتسأله ماري هاسكل عن معنى  المطرة وأورفليس؟ فيجيب:”ان اسم المطرة فيه جذر من لفظ ميتراس الذي يعود الى ديانة قديمة غامضة. اما معنى مدينة اورفليس فإنه جذر من أورفيوس”.

ترجم الكتاب للمرة الأولى الى العربية عن الأصل الإنكليزي من الإشمندريت أنطونيوس بشير في العام 1934.

وبرأي سهيل بشروئي في كتابه “الأدب اللبناني بالإنكليزية” أن أي ترجمة لكتاب “النبي” لا يمكن أن تحل محل الأصل.

كما ترجمه ميخائيل نعيمه ولكن الترجمة الأفضل برأيي هي ترجمة يوسف الخال (دار النهار للنشر).

ميخائيل نعيمه

 

وترجم في ما بعد لأكثر من خمسين لغة في العالم وبيع منه أكثر من تسعة ملايين نسخة.

ومن خلال ردود جبران على ناشره كنوبف نكتشف اهتمام جبران المفرط وتدخله بأدق التفاصيل المتعلقة بالكتاب وباقي المؤلفات.

نجح الكتاب ولبث جبران ثلاث سنوات يفكر متهيبا في ما عساه ان يكتب بعد “النبي”؟ وكيف يحافظ على نجاحه او يضيف اليه؟

ولكن السؤال هل كان جبران بصدد ثلاثية في موضوع “النبي” لم يمهله القدر لإنجازها؟

والحال، استغرق تأليف الكتاب وقتا طويلا ومسودات كثيرة وتبدلا في الأسماء، فقد سماه جبران ذات مرحلة بـ “المواعظ” ومرة “المصطفى المختار الشاعر”.

يوضح المسألة ميخائيل نعيمه في كتابه “جبران” 1934 بأن جبران كان بالفعل بصدد ثلاثية  يكون الكتاب الثاني فيها “حديقة النبي” ويتناول علاقة الإنسان بالطبيعة. وقد صدر الكتاب بعد وفاة جبران  وترجمه الى العربية ثروت عكاشه بعد ان جمعته صديقته وصفيته بربارة يونغ واضافت اليه بعض الفقرات.

جبران وماري هاسكل

 

وتؤكد ماري هاسكل ان جبران اطلعها على الهيكل العظمي لكتابه “حديقة النبي”.

اما الكتاب الثالث فهو “موت النبي” فلم يكتبه قط. وتكمن فكرته في عودة النبي من جزيرته وتأتيه جماعات متنوعة فيتحدث اليها عن الهواء والغيوم والأمس والغد والنور والدخان والظلام وسقوط الثلج. ويلقى في السجن وعندما يطلق سراحه الى الساحة فيرجمونه.

يبقى السؤال : هل حاول جبران ان يعادل بين الشاعر والنبي او يمارس الإسقاط من صورته وذاته؟ ولعله لا يخفي ذلك بل يكتب الى ماري هاسكل في أكتوبر 1922: “الفارق بين النبي والشاعر هو ان النبي يعيش تعاليمه، فيما الشاعر لا يفعل ذلك. فالشاعر قد يكتب عن الحب بصورة رائعة، ولكنه قد لا يكون إنسانا محبا”.

مع التقدير الكبير لكتاب “النبي” ولجبران في الغرب حتى ان الرئيس الأميركي ويلسون قال عنه “انه اعظم كتاب بعد الإنجيل”.

لم تهتم السينما الأميركية بالكتاب ولا بسيرة جبران على المستوى الدرامي.

 

تم إنتاج فيلم يحمل اسم “النبي” عام 2014 من سيناريو وإخراج جورج الترس وتمثيل ليام نيسون وسلمى حايك. وقدمت مقاطع منه في بعض المسارح والجامعات والكنائس. 

بعد مائة عام لا يزال الكتاب يهمي كالتعزية في النفوس وكالرجاء في الأرواح ولا يزال يقرأ ويوسع نطاقه ويصل الى القارئ ببساطة وأمل.

قال عنه الناقد الإيرلندي جورج راسل:”إنه أحد أجمل أصوات الشرق في الغرب”.

نفتحه اليوم ونقرأه حارا سخيا مثل ذهب النسيان وزبد الرجاء.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *