في التّجريب الصّحافي(19)

محمّد خريّف

بعد ضجري بطيش الورق  المهلهل  ظللت أدور في زنقة الورق ورق الصحافة مدّة من الزمن ولما أمارس من عادات سريّة غير التي اُضْطرّ إليها في غالب الأحيان من باب التّقيّة خوفا من افتضاح أمري فيشار إليّ بأنامل مناهضي النظام القائم فينبذ من يتعامل مع صحيفته وإذاعته

وقد كتبت منذ البداية في هذه الصحيفة وتلك دون الوعي الإيديولوجي بالتفرقة بين الخط التحريري لهذه الصحيفة وتلك، ولم أكن أعرف أن التحرير في جريدة العمل لسان الحزب الاشتراكي الدستوري يختلف عن النشر في جريدة الصباح إلا بعد أن تفطّن إلى ذلك أحد الصحافيين  في الصباح  وكادت أن تحصل القطيعة مع صحيفتي الغرّاء لولا اتصالي أنذاك بالهادي العبيدي رئيس تحريرها، فنبهني إلى أنّ المرء عليه ألاّ ينشر عريضة في هذه الجريدة وتلك.

ففهمت ما فهمت والتزمت في الظاهر بالكتابة في الصباح إلى أن صرت في بداية السبعينات مراسلا خاصا للغراء المستقلة في نابل كما صرت مراسلا للإذاعة التونسيّة في جهة نابل، ولم أكن أدري أن يكون من بين من أحسبهم من الطلبة المعارضين من يعمل في الخفاء في قسم الأخبار بالإذاعة إلا بعد انكشاف أمرهم بالصدفة بعد سنين طوال وان بقي أمرهم في السر دون العلن إلى أن يزول حكم سي الحبيب ويزول حكم القائم مقامه، فيظل هذا الرّهط من أشباه الصّحافيين متقلبا بين المهن والمناصب التي يتيحها له نظام القائم مقام و”الله ينصر من صبح”. وليقعد القاعد أو يسجن في قصر اصطيافه بالمنستير وليطل الله أنفاسهم مع صحافة المطبلين للعهد الجديد.

وان دارت الأيام أيضا  على العهد الجديد فصار قديما ولم تدر الأيام  على أمثال هؤلاء الصّحافيين بالتبني وهم من الذين لبدوا ولزموا الصمت إلى أن خفتت عاصفة الثورة أو اختفت فتحينوا فرص الظهور المرحلي على الفيسبوك ليعودوا إلى الرّكح في هذه المرة مفاخرين بانتمائهم إلى صحافة “المجاهد الأكبر” في استقواء بشعاره على شعار الحاكمين بالحوز والتصرّف باسم الدين والخلافة “الراشدة”، فيناصرون في احتشام من يحيي فيهم عظام سي الحبيب وهي رميم بعدما كانوا ضده أو يدّعون أنهم كانوا ضدّه في زمان  “بوعنبة”، مستشهدين بمآثر ذلك العهد السّعيد الآفل.

وصار شعار”المجاهد الأكبر ” عندهم  شعارا محمودا بعدما ماكان منبوذا يدافعون عنه الروح والدم بالفصّ والضّبوط.. وقد غدا نظام “المجاهد الأكبر” من السلف وهم من أعداء السلف على ما يدّعون ؟…

(يتبع)