​”لوتو” المُهاجرين إلى أوروبا

Views: 89

ترجمة وتقديم: رفيف رضا صيداوي*

اخترنا لهذا العدد من “أفق” مقالة منشورة على موقع مؤسّسة “دويتشه فيله Deutsche Welle” الألمانيّة بتاريخ 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، للصحافي والكاتب برند ريجرت Bernd Riegert، الذي يعمل منذ أكثر من 15 عاماً كمراسل في أوروبا والولايات المتّحدة حول الهجرة والسياسات الأمنيّة؛ ومقالته التي تحمل عنوان: Migrants,l’éternel recommencement نَقلتها دوريّة “كورييه إنترناسيونال” الفرنسيّة في عددها (رقم 1672) الصادر بتاريخ 17 – 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وقمنا بنقلِها إلى العربيّة بتصرّفٍ لأهمّيتها في الإضاءة على العبثيّة التي تَسِم العالَم بوجهٍ عامّ اليوم، وأحوال المُهاجرين بشكلٍ خاصّ.

لم يكُن اختيارنا لمقالة الصحافي والكاتب برند ريجرت إلّا للتأكيد على الظّلم الذي يعترينا بقوّة، ليس وحدنا كعرب، بل يعتري كلّ مواطن أيّاً كانت جنسيّته، وأيّاً كان انتماؤه. فقد جاء في مقدّمةأنياس كالامار، الأمينة العامّة لمنظّمة العفو الدوليّة في تقرير المنظمّة للعام 22/ 2021، أنّ العام 2021 قد شهد “الترنُّم بعبارات برّاقة من قبيل: ‘سوف نُعيد البناء بشكل أفضل’، كما أُطلقت وعود شتّى، منها مثلاً وعود عن ‘إعادة ضبط’ الاقتصاد العالَمي، ووعود عن التوصُّل إلى ‘أولويّات مُشترَكة’ على المستوى العالَمي للحدّ من الانتهاكات التي ترتكبها الشركات؛ ووعود عن التعافي المـُستدام والآمن؛ وأخرى عن تضامن عالَمي شامل. لكنّ الشعارات لم تكُن سوى كلمات بلا مضمون يُذكر، ولم يتمّ الوفاء بالوعود، وكانت النتيجة هي خـُذلان مزيدٍ من الناس في مزيدٍ من المناطق”. وتضيف أنياس كالامار في كلمتها أنّ أوجه عدم المُساواة ازدادت وترسَّخت بشكلٍ “منهجيّ”، بحيث تجلَّى ذلك خلال الوباء…

فلا عجب أن يلحظ تقرير منظّمة العفو الدوليّة استمرار ملايين الأشخاص في الفرار من بلدانهم بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المتعلّقة بالنّزاعات والعنف، وبسبب عدم المُساواة والتغيُّر المناخي والتدهور البيئي، وأن يُحصي حوالى 26.6 مليون لاجئ و4.4 مليون طالب لجوء في مختلف أنحاء العالَم بحلول منتصف العام 2021، يعيش معظمهم في مخيّمات لسنوات.

وبحسب التقرير أيضاً “ما زال مسموحاً لخطاب كراهيّة الأجانب المتعلّق بالمُهاجرين بأن يتغلغل في أوساط الرأي العامّ، بخاصّة في بلدان الشمال العالَمي، بينما تزداد السياسات المحليّة تشدُّداً”؛ بحيث “طلبت 12 دولة أعضاء في الاتّحاد الأوروبي من قيادة الاتّحاد تخفيف مفعول قواعد حماية اللّاجئين. وتقاعَسَ المُجتمع الدولي عن تقديم الدّعم المُلائم للوصول إلى ملاذاتٍ آمنة، والأسوأ من ذلك أنّه فَرَضَ قيوداً على الوصول إليها”.

انطلاقاً من هذا الواقع الأليم، والصدام الذي حصل بين إيطاليا وفرنسا خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت على خلفيّة سفينة “أوشن فايكينغ” الإنسانيّة التي كانت تقلّ 230 مهاجراً، والتي أُخضع ركّابها لفترة 15 يوماً من الانتظار من قِبَلِ السلطات الإيطاليّة بعدما بقيت السفينة عالقة في البحر، فضلاً عن تعثُّر العمل بإجراء “دبلن”، كان من الضروري والعاجل بحسب هذا الموقع الألماني أن تتقدّم أوروبا في حلْحلة قضيّة اللّاجئين وتوزّعهم. فماذا جاء في مقالة الصحافي والكاتب برند ريجرت، حول الموضوع؟

“تقوم حكومةُ أقصى اليمين في إيطاليا تماماً بما وَعدت به خلال حملتها الانتخابيّة. إنّها تُعقِّد، لا بل تَمنع في بعض الحالات، إنزال المُهاجرين الذين تمّ إنقاذهم من غَرقِ سفينةٍ ما. حتّى أنّ رئيسة وزراء إيطاليا جورجا مِلوني تخيّلت سيناريو “الحصار البحريّ” لوقف الهجرة غير النظاميّة.

نحن نعيش الدراما المُقزِّزة نفسها للعام 2018، حين قام وزير الداخليّة آنذاك، ماتيو سالفيني، وزير النقل حاليّاً، متهكِّماً بسياسة الهجرة العائدة للاتّحاد الأوروبي، بإغلاق مرافئ شبه الجزيرة. كما في ذلك الوقت، تفاعلت البلدانُ الأخرى الأعضاء في الاتّحاد عبر تحويل أنظارها عن الموضوع، والمُماطلة به أو عبر إطلاق وعود في الهواء حول التضامُن الأوروبي أو الحلول الأوروبيّة.

منذ العام 2015، وتحت ضغط الحكومات الوطنيّة، وليس على أساس أنّ سياسة الهجرة لدى الاتّحاد الأوروبي تهدف، وقبل أيّ شيء آخر، إلى حماية نفسها من طالبي اللّجوء الذين يحاولون العبور عبر الحدود البريّة والبحريّة، لم تُسجَّل أيّة استراتيجيّة متماسكة حتّى الآن من شأنها توزيع أو تقاسُم الذين توصّلوا، على الرّغم من كلّ شيء، إلى دخول الاتّحاد الأوروبي وتقديم طلب لجوء. نحن نتكلّم هنا على 540000 شخص للعام 2021، مع مَيل هذا العدد إلى الارتفاع. على الرّغم من جهودها المتكرّرة، لم تتوصّل المفوّضيّة الأوروبيّة إلى اتّفاقٍ بشأن نظامٍ مُلزِم. الاتّفاق القائم على مبدأ الخدمة التطوعيّة الذي يحكم استقبال الوحدات الصغيرة من المُهاجرين، والذي أُبرم في شهر حزيران/ يونيو 2022 من قِبَلِ بعض الدول الكبرى، الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي، تبدَّدَ يوم الخميس في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر. خرجت فرنسا من الاتّفاق، فيما لم تعُد إيطاليا تحترم التزاماتها بالترحيب بالناجين.

القصّة نفسها تتكرّر كما في العام 2018

الإجراء الذي يتحمّل بموجبه أوّلُ بلدٍ يدخله المُهاجِر، ونعني بذلك إيطاليا، اليونان، إسبانيا، كرواتيا، بولونيا، هنغاريا، مالطة أو قبرص، مسؤوليّةَ طلب اللّجوء إليه وإقامة المُهاجرين فيه، يبقى نظريّاً. فهذا الإجراء المسمّى “إجراء دبلن” لم يشتغل قطّ. وقد بيَّنت إحصاءاتُ السلطات الأوروبيّة كذلك أنّه من بين 80000 شخص هبطوا في إيطاليا في العام 2022، لم يتقدَّم أكثر من النصف بقليل منهم بطلبات لجوء إلى إيطاليا. أمّا الباقون، فقد تلاشوا أو اختفوا في الطبيعة، في شبه الجزيرة أو تابعوا طريقهم في اتّجاه الشمال، مُستفيدين من تساهُل السلطات الإيطاليّة.

المشهد نفسه نراه في اليونان، وطريق البلقان، وإسبانيا. إنّها الطريقة الوحيدة التي تُفسِّر لماذا تسجِّل ألمانيا حاليّاً العدد الأكبر من طلبات اللّجوء؛ إذ إنّ ألمانيا، وبسبب وضعيّتها الجغرافيّة، وأسوة بجارتها النمسا، ليس بوسعها، بكلّ وضوح، أن تكون نقطة عبور إلى أوروبا. والنتيجة، أنّ الدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي يحاولون ترحيل المُهاجرين في بلد الدخول وفقاً لإجراء دبلن. ومن هنا، فإنّ هذا الإجراء لا يعمل أو يعمل قليلاً.

ليس للحكومة الإيطاليّة أيّ حقّ في أن تتذرّع، وبصوتٍ عالٍ، بأنّها باتت “مشبّعة” باللّاجئين، وبما يتماشى مع وعودها الشعبويّة. نظرة سريعة إلى الأرقام تجعلنا نعرف بأنّ بلداناً أخرى في الاتّحاد الأوروبي تستقبل عدداً أكبر من طالبي اللّجوء. في الحصيلة النهائيّة، فإنّ ألمانيا وفرنسا وإسبانيا تتقدّم على إيطاليا على هذا الصعيد. وكنسبة من السكّان المحليّين، فإنّ قبرص وسلوفينيا والنمسا هي البلدان التي لديها معظم طلبات اللّجوء، وليس إيطاليا.الإعادة القسريّة لسُفن الإنقاذ أو الروتين الإداري في الموانئ الإيطاليّة، تقدِّم بالإضافة إلى محنة الأشخاص المَعنيّين، مشهداً حزيناً، هو “مسخرة السياسة” كما يُقال. كلّ ذلك يجري بالطريقة نفسها التي جرت فيها الأمور منذ أربعة أعوام بالتّمام والكمال.

أرقام في ارتفاع

الحقيقة هي أنّه على الرّغم من ذلك، ليس معظم الأشخاص الذين ينزلون في إيطاليا من الناجين، بل هُم وصلوا على متن قوارب أرسلها المهرّبون إلى شواطئ صقلّية أو كالابريا. المُخجل في سياسة الهجرة هذه، وفي العُمق، هو أنّها فشلت في ثني هؤلاء الناس عن القيام بعبورٍ محفوف بالمخاطر. كلّ محاولات خلْق مخيّمات في ليبيا، وإنشاء مراكز هبوط في أوروبا، ونقْل إجراءات اللّجوء إلى شمال إفريقيا، والتنسيق مع البلد الأصلي أو نسف النموذج الاقتصادي للعابرين، كلّ هذه المحاولات تعثّرت ولم تفلح إلى الآن. بل على عكس من ذلك، شاهدنا الأرقام ترتفع مجدّداً.

ينبغي على وزراء الداخليّة في دول الاتّحاد الاجتماع على وجه السرعة وإعادة النقاش حول توزُّع طالبي اللّجوء. إلى الآن، ثمّة لعبة غير إنسانيّة هي السائدة، إنها “لوتو اللّاجئين”، كما يسمّيها مسؤولو بروكسل، الذين يُضاعفون المؤتمرات عن بُعد لمحاولة إيجاد أمكنة للمُهاجرين القادمين من إيطاليا في البلدان الأوروبيّة التي تُوافق على استقبالهم، والذين سيجدون أنفسهم في حال لم يتمّ ذلك يعانون على مَتن سُفن الإنقاذ. هذا ما حصل في العام 2018 وفي العام 2019، وهذا ما سوف يحدث اليوم. يا له من أمرٍ مُحزن!”.

***

*مؤسّسة الفكر العربي

*نشرة أفق

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *