شربل زغيب… شاعر الحُبّ والوطن يُسابق الزمن

Views: 410

أنطوان يزبك

كان الشعر الزجلي ولم يزل مرآة الطبيعة التي ترعرعنا في جنباتها وسكنّا في حياضها؛ وحددنا على مرّ الأيام النطاق الجغرافي الذي نشأنا فيه ولم نزل نرتبط به ارتباطا عضويا..

هذه الطبيعة ، طبيعة الإنسان وسلوكه وطبيعة الأرض التي عليها عاش وعمل وتعب وكدّ لا تغادره مطلقا ؛ هذا الإنسان الذي يتمتّع في لحظات مجيدة ووقفات عزّ بوحي شعري لا يضاهى ؛ حين تتفاعل المشاعر وتلتهب في الصدور الحرّة  الأبيّة ، يشعر الشاعر  بقيمة حياته ويفرح ؛ والشاعر يواكب فصول نمو الحبّ بين ضلوعه ، فيعمد إلى التعبير عنها ، كلّ المشاعر التي يمكننا ان نتخيّلها ونتحدث عنها ماثلة هنا : نجدها لدى شربل زغيب ، صاحب الكلمة التي تتغذّى من نقاوة صافية وعمق تفكير بالإضافة الى خبرة سنوات في ميدان الكلمة الرحب، شربل زغيب يعتلي اليوم عرش الشعر في أبهى صورة ناهضا  من على قمّة جبل عامر بالوقفات المبدعة والطلّات المشرقة ..

في شعر شربل زغيب عن الحُبّ المتأخّر والمتفتح حديثا ،المعلن والمخفي والخجول والمعاكس للزمن والمنطلق على صهوة جواد جامح أرعن ، نجد تنافس الصور وتهافتها ولكنها مستلّة من عالم  الواضح والحقيقي ؛ يقول في حوار مباشر مع الحبيبة :

 بدك تحبي ليش مخجولي

شو مخوّفك شو محيّرك قولي

ما كلهن من قبلنا حبّو

وليش هلق عم بيتخبّو

تخمين بردو ،قطعو الخمسين

وصارو خمور الحب بردانين

وما ضل في كلمات معسولي ؟! …

وعن الحب من النوع الجارف القوي، ذلك الذي يتفلّت ويخرج عن نطاق التحكّم والسيطرة ويصبح حبًا مجنونًا عاصيًا على الرّسم بالريشة والكلمات ؛ يقول شربل بصريح العبارة  :

غرقت ببحور الهوى غرقة

وما كنت حاسب لوعة للفرقة

وما كان غاويني حلا جسمك

ولما قعدت ت بلّش برسمك

ومن فرحتي عدت كتبت اسمك

النحلات صارو يسرقو الورقة ! ….

وعندما صرخ شربل  فى اللحظة الحميمة نداء الغزل، وأخذ يتمثل الوصف الشعري في رداء باهٍ وجميل ؛ انتشر الشعر المغوي بأنوثته وعطوره الزّكيّة الفوّاحة .

 يقول شربل بفرح ايقاعاته الصباحيّة المرحة المستفيقة مع عطر الجمال والحبّ والحركة :

موجي بشعرك هالحلو موجي

ما بحب شوفك يوم مزعوجي

خلّي عا خصلة الشمس تتمرّا

وخلي عا خصلة البدر يتحرّا

بتلبقلك الدّلعة يا غنّوجي ! !

وفي أبيات أخرى يصبح الغزل محفّزا لكتابة الشعر ومناديا في جوّ من العطور الزكية المتمازجة مع أنفاس الحبيبة  :

صار الغزل ينده ت أكتب سطر

وقلّي ت قلّك ما فضي كاسك

ما كان صار العطر اسمو عطر

لولا ما داخ بطيب انفاسك !

وفي مناسبة أخرى. يقول شربل زغيب بكلمات حاسمة ومباشرة :

 لو كنت عارف هيك بدّو يصير

ما يضلّ في ع شجرتي عصافير

كنت بقعد بحبس الأنفاس

وسر الهوى ما بطيلعو من البير

لو كنت عارف هيك بدّو يصير ….

 

لو كنت عارف بدك تغيبي

والهجر يتحكّم بتعذيبي

كنت فيّي بقتل الطيبي

وما بعود من قهري عليكي غير

لو كنت عارف هيك بدو يصير ! . ….

وبقدر ما ينجح الشاعر في عملية وصف المشاعر التي تنبع من العواطف في ملحمة الحب والعشق الأزلي بين الرجل والمرأة ، ينجح أكثر فأكثر في الكلام على الأرض والوطن ، وهو يتكلّم بلسان كل واحد منا حين يقول شعرا في الأرض والطبيعة التي نحن جزء منها فيقول :

 برمت البسيطة بطولها وبعرضها

وشبعت منها ومن مشاهد عرضها

ولبنان الله فرض أرضو فرضها

فيها البشر ت تصير تكتب فرضها

فوقو اذا بترمي عضام الميتين

بتحيا وقت ما يدفنوها بارضها !…

وفي مناسبة عيد  الاستقلال الماضي ، الذي حلّ في أصعب ظرف عرفه لبنان الوطن الرازح تحت وطأة اصعب مأساة عرفها منذ عقود يقول شربل :

يا دهر حاج تضلّ تئذينا

تاهو المراكب ضيّعو المينا

عيب هيك نضلّ

لازم نلاقي حلّ

كلّ الدول متحكمي فينا

في ختام حديث الشعر الذي تناط به مهمات كبرى ، يبقى جبل صنين الجار الدّهري الذي يحيّيه شربل زغيب كل صباح ، خاصة بعدما زارته ثلوج هذه السنة مع الأمل ان يكون بياض الثلج هو المطهّر والشّافي  من دنس وآثام هذا الوطن الذبيح ، يقول :

 صنّين مرّ الدّهر ما وطّاه

ولا قدرت الويلات مرّة محيتو

تطلعت صوبو اليوم ما أحلاه

قبّوعتو بيضة  وبيضة لحيتو ..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *