سميائية الشخصية في قصص أمل وجيه ناصر  

Views: 494

د. اسماعيل الياسري -العراق

امل وجيه ناصر واحدة من الكاتبات اللبنانيات التي برزت على الساحة الادبية اللبنانية  وتركت لها بصمة في الساحة الادبية العربية  من خلال كتابتها التي تنوعت بين الشعر والقصص القصيرة، اذ صدر لها اربعة دواوين شعرية ومجموعتين قصصية هما (حقيقة رجل) و(الحب المحرم) التي هي موضوع مقالتنا هذه، فمن  خلال قراءتي لمجموعتها القصصية (الحب المحرم ) التي صدرت عن دارالحرف العربي للنشر والتوزيع، لفت انتباهي التنوع في شخصياتها والسمات المختلفة لكل شخصية مما يجعلها مادة للدراسة وفق المنهج السيميائي ، والذي يعد من المناهج النقدية الحديثة التي ظهرت على الساحة الادبية وحاولت دراسة النص الادبي وتحليل محتوياته، من خلال اسس جديدة تعتمد على ما في النص من علامات دالة، اذ سعت الى تطوير طرائق منفتحة للقراءة،متخطية جدار اللغة ومنطلقة نحو تأسيس نظرية في علم الادب،من اجل دراسة النصوص الادبية  بوصفها انظمة تخفي خلفها سيلا من المعاني التي يجب دراستها وفك شفراتها، وتعد سميائية الشخصية هي احد اقسام هذا المنهج التي تركز على الشخصيات داخل النص الادبي وتقوم بتحليل هذه الشخصيات وفق العلامات الخاصة بكل شخصية من علامات جسمية ونفسية وبيئية واجتماعية خاصة بكل شخصية وفك شفرتها وتأثيرها في مسار الاحداث في النص الادبي، اذ حاول كثير من الكتاب والنقاد المشتغلين بالحقل السيميائي دراسة الشخصية سيميائيا ومعرفة عناصره المهمة واشتغالاتها ومسارها داخل الاحداث كعلامات مهمة في تحليل النص.

ومن خلال قراءتي لمجموعتها القصصية (الحب المحرم ) لاحظت ماامتازت به شخصياتها الذكورية من حالة التشظي والتماهي .اذا يمكن نلاحظ التحولات التي تطرأ على الشخصية وفق المعطيات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي تسلبها ارادتها وقدرتها على الصمود والمواجهة،اذ نلاحظ ان  معظم الشخصيات تعاني  من ضغوطات نفسية تفرضها الظروف التي تعيشها كل شخصية،وحالة الاستلاب التي تتعرض لها من محيطها الداخلي والخارجي مما يجعلها تخلع اقنعتها عند المواجهة .فشخصية الاستاذ (مون بير) التي اتسمت بسمات مختلفة  فهو طويل القامة ضخم الجثة ذو عينين جاحظتين ولحية كثة، وذات صوت جهوري رخيم، و شخصية عصامية حازمة، ذات ملامح قاسية، لم يبتسم قط، اذ نجده في اول اختبار له يتخلى عن شخصيته المقنعة، ليتحول الى شخص اخر ينقاد الى شهواته .

كذلك شخصية سليم في قصة (الموعد الاخير) التي امتازت بالحنكة والدراية والعصامية واشتهر بتجارته وقدرته على بناء نفسه بنفسه،فأن هذه الشخصية ما ان مرت بأزمة نفسية حتى تشظت و تحولت الى شخصية اخرى،متهورة، مدمنة  على الشرب والملذات،اذ اصبحت تشعر بحالة من الاغتراب ومحاولة الهروب من الواقع الذي تعيش فيه الى واقع خيالي، فخبر سماعه حالة العقم الذي اصيب بها، جعلت منه يتحول الى شخصية هامشية محبطة في اول اختبار تتعرض له الشخصية (كان يعود الى منزله ثملا يترنح يمينا وشمالا من معاقرة الخمرة والانغماس في المجون، وسعاد تلك المراة الصبورة التي تحملت منه مالاقدرة لاي امرأة على تتحمله، كانت تستقبله مبتسمة وفي عينيها دموع سجينة اجتهدت في اخفائها حتى لاتجرح مشاعره وتزيد من لوعته)(الموعد الاخير،70)، وكذلك الحال مع شخصية نديم في قصة القلب المحروق فهي شخصية انهزامية فشلت في اول اختبار لها ( كان نديم شابا عنيدا دائم الثورة على الزمن ولدى اول فشل تعرض له في تجارته عجز عن كبح حيويته الثائرة، فانكمش امام سيلها العارم واستسلم لليأس والتشاؤم ولم يجد عزاء له في محنته غير الانغماس في شرب الخمر ولعب الميسرة)(القلب المحروق،105).

 

وكذلك الحال مع باقي الشخصيات الاخرى  كشخصية( نزيه) في قصة (سخرية القدر) وشخصية وحيد في قصة (الحب الاعمى) وشخصية (صلاح) في قصة (انتقام على نار هادئة)  فجميع  هذه  الشخصيات هي انهزامية  تتحول وتتشظى في اول مواجهة لها مع الواقع، اما الشخصيات الانثوية في هذه القصص فنلاحظ ان الكاتبة قد انحازت الى جنسها وجعلت منها شخصيات مضطهدة مظلومة يقع عليها الفعل، لكنها تبقى قوية  وفية مخلصة لزوجها وتحاول في شتى الطرق ان تحافظ على بيتها واسرتها، وانها ضحية تصرفات زوج طائش متهور لايحترم الحياة الزوجية. 

 والملاحظ ان المتن الحكائي في القصص قد بنى على نسقين نسق ذكوري، مهزوز متسلط لايفكر الا بلذاته على حساب بيته واسرته، ونسق انثوي مهادن اتسم بالحكمة والاتزان ،وقد وظفت الكاتبة النسق الانثوي من اجل ترسيخ قيم الصدق والامانة والاخلاص وجعلت من نسائها مستلبات بسبب التسلط والهيمنة الذكورية، لكنها في الاخر تتمكن من تقويض وكشف زيف النسق المتسلط المهيمن.وتكون الغلبة الى النسق الانثوي الذي ينتصر  لذاته.ومن  خلال ما تم طرحه يمكن القول ان المبنى السردي للقصص .يدفع المتلقي الى متابعة القراءة لما تحمله هذه القصص  من حبكة وتواتر الاحداث، وعنصر التشويق الذي يعطي  لكل قصه نكهة خاصة.

***

*-يراجع،الحب المحرم،امل وجيه ناصر، مجموعة قصصية، ط1، لبنان، دار الحرف،العربي،2013.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *