في الحب أوجه متعدّدة أغلبها وجه الألم والخيبة !
أنطوان يزبك
وفيت وفي بعض الوفاء مذلّة
لإنسانة في الحيّ شيمتها الغدر
(أبو فراس الحمداني )
عشيّة عيد العشّاق، قرأت نصّا شعريّا لافتا لآمنة ناصر ، تبوح فيه الشاعرة بحقيقة العلاقة حين يمرّ عليها زمن معيّن ، كما تتناول أيضا الحبّ الناشئ بين الرجل والمرأة لكنّه يتعثر ويصبح أقرب إلى الحب المبتلي بالمعاصي والشجن والألم والقهر؛ حين تخبو هذه العلاقة وتتلاشى من جهّة الرجل وتصبح حبيبته أقل أهمية من (علبة تونة فاسدة) كما تقول آمنة ! وعليه فهي تدعو في هذه القصيدة كلّ أنثى أن تحبّ أقلّ من المعهود والمطلوب عادة في العلاقة الغرامية التي تجمع بين حبيبين.
هذا الموقف ليس جديدا إذ لطالما كان الحب ينتهي بخيبات وقهر ومشاكل وصراعات تكسر نمطيّة ما يروّج الناس عن الحب ولياليه العامرة ومشاعره الصاخبة ولذائذه غير الموصوفة، لدرجة أن المخرج الألماني الكبير راينر فيرنر فاسبيندر كتب سيناريو وأخرج فيلما شهيرا عنوانه: “الحب أكثر برودة من الموت” ( 1969).
نعم عنوان صادم ، الحب أسوأ من الموت في حالات كثيرة.
هكذا يشعر عدد كبير من الذين أحبّوا ، وراحوا إلى الخيبات والندم ، يشعرون ببرد شديد يدبّ في اوصالهم أشدّ حدة من برد الموت ! ولو أن الحبّ هو من أجمل ما يروّج له في الكتب والقصائد والروايات والأفلام ويتكلم عنه الفنانون والكتاب والشعراء ! حب بلون احمر وقلوب حمراء متفجّرة ودبدوب غرام لا أعلم ما هي رمزيته سوى أنه تجارة.بتجارة ! عجب كل العجب في أن الحياة أكذوبة كبيرة وأن كل ما يراه الإنسان ليس ذهبا بل نحاسا وفي أغلب الأحيان نحاسا قبيحا صدئا !!
في هذه القصيدة تعترف آمنة بأمور خطيرة ومؤلمة للغاية، إذ تقول:
“لا يمكن أن يتساوى حبك مع أنانيّته ..
وأيضا : لن يضحّي من أجلك كما تضحّين ..
وفي صورة قاهرة ومؤلمة للغاية تقول آمنة:
سوف يملّ عينيك إذا ملأتها الدموع”….
كلام قوي يكسر كل المتوارثات فدموع المرأة كما نعلم هي سلاح اقوى من القنبلة النووية!!
ما هو هذا الرجل إذن ؟ هل قدّ من حجر صوان ، أم أنّه مجرم سفّاح خال من كلّ المشاعر الآدميّة ؟
فعلا مؤلم جدا ما نرى ونسمع عن عالم الحب وقد تصورناه غير ذلك !
الشاعر الروماني القديم اوفيد الذي كتب عشرات القصائد و الكتب في الحب والعشق يقول : “الحب والكرامة لا يمتزجان جيدا ، ولا يستمرّان سويا إلا لفترة قصيرة”..
هذا الشاعر الذي كتب أشهر ديوان شعر في فنّ الحب ؛ يعترف بأن الحب عمره قصير وهو مذل ّ في ما يخصّ كرامة الذي يحبّ ويبذل ويعطي من دون حساب.
كذلك يقول دوستويفسكي: “الذي يحب أكثر هو الذي يتعذب أكثر!”
وتقول آمنة :
“مهما راعيت هذا الحب
وسهرت عليه
ورويته اخلاصا و وفاء
سيتجاهله ويرميه عندما يشعر بالملل”….
ما اتعس المشاعر الانسانية وكم هي واهية وضعيفة روابط الحب لدى البعض رجالا ونساء! ! …
يقول جلال الدين الرومي قولا اعتبره غاية في الصعوبة وهو يراكم إشكالية كبرى: “العشق هو ترك الاختيار!”
ماذا كان يقصد الرومي هنا وما الحكمة في الترك ؟ هل ندع كل شيء ونعيش بدون حبّ حتى لا نخسر ؟ أم نواصل التمسّك بعالم المشاعر مع يقيننا ان الخسائر سوف تكون كبيرة موجعة؟ وايضا ما هو دور الاختيار وهل يصح تركه في هذه المسألة الحساسة؟
لربما هي في نظر الرومي دعوة إلى التبصر والتفكير في أمور مستترة وعلاقات ملتبسة وأحكام متسرّعة وكليشيهات نعيدها ونكرّرها !! … ومع ذلك أعود وأقول كما قالت آمنة : الحب هو الحياة… وعلى هذه الحياة أن تستمرّ مهما كانت مريرة ومهما كانت محفوفة بالقهر والدموع ، وبيقيني أن آمنة ، كتبت هنا توصية حتى لا أقول وصية إلى كل فتاة يافعة ، لم تعرف بعد عذابات العلاقات بين الرجال والنساء ، ومدى مرارة الحب الذي هو كالطّبيعة خدّاع وماكر إلى درجة كبيرة. الحب يشبه إلى حدّ كبير النبات المفترس في مجاهل الأمازون الذي يفرز عطرا زكيا حتى يقترب النحل والعصافير والسحالي فيعمد إلى افتراسها.. إنها معضلة الحياة وغريزة البقاء في الكائنات البشريّة …
لاشيء يبقى حتى الحب
آمنة محمد ناصر
(14 شباط 2023)
أحبي قليلا
الحب هو الحياة
وينتهي مثلها
وما دامت حياتنا موتا كثيرا
فالحب قدره الفناء
كم يصعب عليكِ
أيتها الأنثى العاشقة
التي أمضيتِ حياتك
بانتظاره
بينما هو يعدّ لك مدة صلاحيتك
التي إذا انتهت عاجلاً أم آجلاً
سيرميك من حياته
كما يرمي علبة تونة فاسدة ..
لا يمكن ان يتساوى حبك مع أنانيته ..
مهما تجاهلتِ ذلك !
لن يحبّك كما تحبينه
ولن يضحي من أجلك كما تضحين بأيامك وأنفاسك كي يبقى بخير ..
مهما راعيتِ هذا الحب
وسهرت عليه
ورويته إخلاصاً ووفاءً
سيتجاهله ويرميه عندما يشعر بالملل
عندما يملّ من كلمة “أحبك” ومنكِ
سوف يملّ صوتك إذا أصابته بحة ٌ ما ..
سوف يملّ عينيك إذا ملأتْها الدموع ..
سوف يملّ النظر إلى قامتِك إذا وجدها هزيلة مريضة ..
هو يحبّ أن يراك قوية دائما
كي لا يتحمل العناءَ من أجلك ..ولن يتحمله من أجلك.
يحبّكِ زهرةً فواحةً
وإذا ما ذبلتِ
فهو غير مستعد أن يرويَ ترابَكِ حتى.
إنها حقيقة قاسية..لكنها حقيقة.
لمن تحملين الحب؟
أحبي نفسك واعتني بها جيداً
وإذا أحببتِ
فأحبي قليلاً كي لا تتألمي كثيرا.