وقف الهدم في بناء سينما أديسون في شارع بلس وتاريخ الشارع الحضاري الجميل

Views: 240

سليمان بختي

حسنا فعل وزير الثقافة محمد المرتضى بقرار وقف الهدم في مبنى سينما أديسون في شارع بلس، رأس بيروت. وطلب من اللجنة التراثية الكشف عليه وإعداد تقرير مفصل عن واقعه واختزانه لعناصر تراثية تفرض الإبقاء عليه.

وهذا البناء بالإضافة إلى سينما أديسون الشهيرة يضم نادي أديسون للبلياردو، ودكان الخطاط مكرديش ومحل المصور جيرو ميغو.

تأسست سينما أديسون عام 1960 على يد عدنان ديرعطاني بحسب كتاب “يا فؤادي” 1996  لمحمد سويد. وأن آخر فيلم عرض فيها كان في العام 2003.

في حين يؤكد الباحث زياد عيتاني أن المؤسس هو محمد تسبحجي وبموجب عقد استثمار تولى الأخوان نايف وفؤاد درويش إدارة الصالة بالتعاون مع شركة عيتاني وماميش السينمائية.

هذا البناء هو أحد معالم الشارع لا بل معلم لظواهر ثقافية عديدة عرفها الشارع في عزه.

 

إرتبط هذا الشارع المحاذي للجامعة الأميركية بمطاعمه (فيصل وأنكل سام وزينة وسمغلرز إن ومروش والباشا وصابر). ومكتباته (رأس بيروت وخياط ولبنان) ومسرح أورلي وسينما أديسون وقاعة (إليسار – للفن التشكيلي التي أسسها جورج زعني) وإلى كونه منطلقا للتظاهرات الطلابية والحياة الطلابية المتداخلة في محيط رأس بيروت وشوارعها وزواريبها.

بعد الحرب اختفت سينما ومسرح الأورلي وأصبحت مكانا لبيع المناقيش، تلك الصالة التي أسسها بداية مفيد دبغي  باسم غراناندا ثم سلكت ثم أورلي بإدارة شركة عيتاني السينمائية وشهدت عروضًا مسرحية رائدة مثل “الستارة” لرضا كبريت وميشال نبعه و”سهرية” و”نزل السرور” و”بالنسبة لبكرا شو” لزياد الرحباني و”حكايات 1936″ و”أيام الخيام” لفرقة الحكواتي ومسرحية “أبو علي الأسمراني” لأنطوان كرباج .

ثم راحت تعرض أفلام الوسترن والهندي وصولا إلى أفلام البورنو قبل أن تقفل نهائيا.

محمد الماغوط

 

هذه الشوارع المميزة كتب فيها محمد الماغوط ذات مرة: ” من بلس إلى جاندارك/ ومن جاندارك إلى بلس/ مشيت آلاف الكيلومترات/المستّفة فوق بعضها/ وأكلت أطنانا من الفلافل”.

إنها سيرة الأماكن حين تكتب الفصل الأخير في حياتها. أخاف القول إن شارع بلس يحتضر وتنتهي معه حقبة ملونة ومثيرة من العيش والعلاقات والطابع المميز.

ماذا نفعل لنفك رقبة الزمن الراهن الضاغط على كل شيء كمن يعصر الحياة من زهوها و ألقها  ونضارتها.

وفي شارع بلس التقى في مطعم فيصل نخبة رجال الفكر والثقافة والشعر والأدب.

منح الصلح

 

وكان يحلو لمنح الصلح أن يردد “الجلوس في مطعم فيصل لا يختلف عن الانتساب للجامعة”.

وفي شارع بلس صور المخرج مارون بغدادي لقطات كثيرة من أفلامه وصور رفيق الحجار لقطات لفيلمه “الإنفجار” .

وفي شارع بلس كان هناك بيت قديم لأبناء وأحفاد الأمير عبد القادر الجزائري.

منذ فترة قريبة جرى إحتفال لإضاءة الشارع بالطاقة الشمسية … هذا الشارع كان منوّرا بأهله وخريجي وتلاميذ الجامعة الأميركية وأساتذتها وأبحاثها وموظفيها وعمالها.

كمال الصليبي

 

كان المؤرخ كمال الصليبي يقول-  وكان أحد سكان شارع بلس – إن لا جامعة في العالم لها تلك العلاقة المميزة والمجال الحيوي الرحب مع الشوارع القريبة منها مثل الجامعة الأميركية وإنها عرفت روح المدن الجامعية قبل أن تعرف في العالم.

كذلك حين زار الكاتب المصري أحمد بهاء الدين في الستينات الجامعة الأميركية والشوارع المحيطة بها وصفها بأنها الحي اللاتيني في لبنان تشبّها بالحي اللاتيني في باريس. 

يكتفي اليوم شارع بلس من كل مجده الغابر بأنه شارع يصل بك إلى الجامعة او البحر وسط  عجقة السير والروائح المنبعثة من المطاعم take away  و delivery و فروع المصارف.

لم تعد مطاعمه أو مقاهيه أو مسارحه أو قاعاته فسحات للتلاقي أو للتثاقف او لتدبيج البيانات الحزبية.

أعادتنا قصة بناء سينما أديسون للانتباه إلى قيمة هذا الشارع الحضارية وإلى روح ذلك الزمن الجميل وأبطاله الذين كانت إرادتهم من حديد وعقولهم من نور وقلوبهم من ذهب.

كل شيء تغير. وحده الحمام الأليف لا يزال يقلع ويهبط على القرميد الأحمر القريب من الجامعة ويستمتع بزرقة السماء والبحر وأغصان الأشجار الخضراء.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *