نصف قرن على غياب أنطون قازان ولم تزل الفصاحة تنتظره فوق المنابر والكتب

Views: 147

سليمان بختي

مضى على رحيل أنطون قازان (1927-1973) الأديب والقانوني قرابة نصف قرن ولم تزل كلماته ترن في المنابر. جمع المحاماة والأدب وأجاد في الخطابة وعشق الكتاب والكلمة فإذا نتاجه كلام من القلب وإلى القلب. تأمل وإنشاء وصدق ودفء وتواصل وترهب لأجل نهضة القيم الحضارية والمفاهيم الإنسانية والاجتماعية والوطنية. كتب غير مرة:” مناعة الروح هذه بدء تعاليمك ونهايتها، ولها وعليها كانت الكلمة”. 

ولد أنطون نخلة قازان عام 1927 في ذوق مكايل. درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في معهد القديس يوسف، عينطورة.

رغب قازان في دراسة الحقوق لكن والدته أرادته طبيبا. ولم ينجح بإقناعها فأستعان بصديق العائلة الشاعر إلياس أبو شبكة (1903- 1947) الذي قال لأم أنطون:” يا ستي، خلي على عقلو يتعرف على وجوه الناس، أفضل من التعرف على أقفيتهم..” فضحكت الأم وباركت ما أراده ابنها.

تخرج من كلية الحقوق – اليسوعية بتفوق عام 1948. تدرج في مكتب الرئيس بشارة الخوري(1890-1964) وغدا محاميا بارعا عميق الثقافة ويعرف كيف يدمج ثقافته ببيانه.

كانت المحاماة له رسالة وإنصاف حق وليست وسيلة عيش وكان يردد:” أن غنى الدنيا لا يعادل شرف يوم في المحاماة وقدس ساعة في القضاء”.

 

رفض وظيفة مدير عام في الدولة لأنه رأى أنه لا يستطيع خدمة البلد وأهله. كان مدمنا قراءة الكتب واستطاع أن يكون دينامو الحركة الثقافية في كسروان وانتخب رئيسا لمجلس كسروان الثقافي بالإجماع. رأى في الثقافة يقظة وخلقًا وتحررًا ومحبة.

وفي العام 1972 قرر خوض المعركة الانتخابية في كسروان لكنه أعلن انسحابه لأن معركة الشباب والتغيير والثقافة لم يحن أوانها بعد. 

توفى أنطون قازان عام 1973 في عز شبابه ولم يتجاوز الخامسة والأربعين من العمر.

ترك مجموعة من المحاضرات والمقالات والدراسات والقصائد جمعها أصدقاؤه وأصدروها في كتب ثلاثة عام 1974:” أدب وأدباء” جزء 1 و2 و “شعر”.

وصدرت المجموعة الكاملة بهمة ابن شقيقه المحامي شوقي قازان عام 1998 وطبعة ثانية عام 2011.

أنطون قازان وجان كميد

 

قدم أنطون قازان الشعراء والأدباء على المنابر والكتب وكتب خلاصات عن ذكرى بعضهم ولقطات رائعة بعدسة قلمه.

عاش عصره وعايش رموز عصره وأحبهم وكتب عنهم بمحبة وأضاء على نتاجهم بهمة عالية وأدب راق وقلب كبير.

أسمعه يقول في “الأخطل الصغير” (1885-1968): “من علوه السبعيني لا يزال يرعى عهد الهوى.. كأنه بائع الورد إن فات ربحه ما فاته ريحه”.

وفي “عندليب ” الشاعر عبد الله غانم (1924-1992) كتب:” بدأ عندليبا وإنتهى نسرا”.

وكتب في مطلع قوله عن الشاعر رشيد أيوب (1871-1941) :” في يده سبحة، وعلى فمه أغنية، ذلك الجوّاب شد عوده ومشى إلى العالم الجديد، وفي النفس من لبنان ألحان، وفي الخيال من الشرق متع”.

مع الرئيس شارل حلو

 

أما عن الشاعر صلاح لبكي (1906-1955) فكتب:”شاعر يحبه الناس، عاش في عالمهم، ثم انفرد عنهم ليأتيهم بخلاصة من عالمه، بمادة إنسانية لفحت بأشعة نورانية فغدت على جمال كثير..هل يقال بعد ذلك : قضى صلاح”.

وقال عن سعيد عقل ( 1912-2014):” قابض على الشعر، فالشعر معه وسيط ساحر. وإذا كان الشعر سبقا وتصعيدا فسعيد عقل هو كل الشعر”.

وكتب عن الشاعر إلياس أبو شبكة:”أبحر في الحياة كمجاذيف من أجنحة.. وما أذكر مرة أني فتحت كتابا من كتبه، إلا وعدت أمسح الدم عن يدي”.

أما  عن كتاب أمين نخلة (1901-1976) المميز “المفكرة الريفية” فكتب:”إنه كتاب به تداوى البشاعة “.

وكتب عن فؤاد سليمان(1912-1951) كأنه يتنبأ بنهايته نفسها:”حسبك أننا، لشهامات عمرك، بتنا نؤثر العمر القصير”. 

بقي الأدب عنده فعل ثقافة ونقش رسالة. مثلما بقي الوطن وحدة الشعور ووحدة العمل ووحدة المفاهيم/  وما حاد عن ذلك أبدا.

 

لا تزال فصاحته تنتظره فوق المنابر خطيبا مفوها بليغ الأداء وبعبارة متينة السبك وأفق لا يغيب عن الرؤية.

أحب أنطون قازان زوق مكايل هو الذي كان يردد ” أنا إبن الزوق، ربيب المغازل، وأليف النوال”.

وأحب الناس كل الناس، وصادق الكبار(كان صديقا أثيرا للرئيس شارل حلو ( 1913-2001)) والصغار وظل كبيرا وأعلى من شأن الجمال كل جمال، ودافع عن الحق وكل صاحب حق.

نستذكره بأسى وأمل. بأسى شبيه بما قاله في وفاة أبو شبكة :”ساعة يموت شاعر ( وكان أنطون قازان شاعرا) تمر بنا لحظات من كآبات الجمعة العظيمة”. نتذكره بأمل بعد خمسين عاما ونصافحه ويرد علينا بما هو أكثر: “أصافحكم بالكلمة الجامعة وقد ضاق الزمان للقاء طويل”.  

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *