سهاد شمس الدين… شعرها يقتحم المصائب

Views: 658

أنطوان يزبك

من الجميل أن نحبّ الوطن ونضحي ونخلص من أجله ولكن ما العمل حين يدخل هذا الوطن في صراع ونزاع مرير من أجل البقاء ؟ ما العمل في محيط أصمّ لا يصغي فيه أحد إلى صراخ استغاثة الملهوف والغريق ؟

لقد دخل بلدنا من سنوات في العناية المركزة في مستشفى الأمراض المستعصية…

دخل وهو يجرّ وراء بيارقه الممزقة وجحافله المهزومة شعبا مسحوقا بكامله، هذا الشعب الذي أضاع هويته ، وحضارته وجذوره ودفن حيا وهو لا يزال يصارع حتى الرمق الأخير ، يتخبط في مستنقعات الغباء والعماء وهو غير مدرك ما إذا كان ميتا أم حيا في عجالة الوجود وخضم الصراع!

سهاد شمس الدين تستشعر كل ّهذه الزلازل القاتلة والخراب المدمّر  وها هي  تتناول في شعرها ونصوصها الوطن من زاوية أساسية وموقف صادق وتلقي على البلد البائد ؛ نظرة حبّ وعاطفة ووطنيّة ، الوطن بالنسبة لها هو الأم والأب والزوج والأولاد والأهل والاصدقاء ، ترى فيه العشق ،الأمومة الصداقة ولا تقف عند نقطة اللاعودة التي تكبّل كثيرين من أصحاب اللا إحساس ،  المنعزلين في ابراجهم العاجية المخملية المضيئة حيث تتلألأ كؤوس الزوغان والزيف والزخارف ، بل تدخل عمق الصراع في أبيات شعرها ، مقتحمة المصائب متحدية النوائب حتّى تؤرّخ للحظة المؤلمة ، لحظة النزاع الكارثية الملعونة التي تطبق على خناق وطن ،وتردي شعبا بأكمله بالنار والرصاص، كما لو أنه في صفّ الإعدام ، أو مقيدا على كرسي كهربائية بانتظار الجلاد المقنّع ليضغط على القابس فيصعق هذا المحكوم البريء ويغدو طعما للردى !

أجل إنها لصورة مرعبة ولكن سهاد لا تهرب من الواقعيّة ولا تختفي وراء قناع العواطف المصطنعة وابتهالات بليدة وأحاسيس لا صدق فيها ولا ذرّة من حقيقة ، رغبة الحياة تعاند رغبة الموت والانحلال ولكن ما العمل أمام الخوف وهو إذا صح التعبير الخوف البطولي النابع من حبنا لوطننا ولهفتنا على أبناء هذه الأرض..

يصف الشاعر المجدد الرائع محمد الماغوط الخوف بأنه مثل شجرة لها جذورها الضاربة في الأرض مهما فعلت ؛ يظل الخوف نصب عينيك يهدد ويتوعّد فكيف نصف ما يحل بهذه الربوع الجميلة التي استحالت إلى نعوش بعد أن وصفت بالعروش ، في هذه المأساة كتبت سهاد شمس الدين شعرا صادقا اذ تقول  :

كنت اظنُّ أن وطني يصلّي لإله واحد

وأن جَمعَ المؤمنين…

 يحصد جنين القمح

 من تراب واحد..

وظننت أن جياع بلدي جميعهم….

يلوكون في أفواههم

مرارة الحظّ العاثر

لكنّ طاووس المفاتن

سخِر من إله واحد

ونادى بصوتِ نقيق الضفادع

أنا إلهكم المفتون بالكبائر

 فلا تنسَوا إن ألهاكم التكاثر

وأنا ملكوت الأرض والسماء

وقُبلة يوضاسٍ على الخدّ الطاهر…

فما بالكم من صَلْب عيسى

 وهجرة محمّدِ

فعصا موسى شقّت البحر نصفين

ومفاتني كسرت ظهر الوطن إثنين

فبأيّة حالٍ أصبحت  يا وطني الضائع

لقد ألهانا التكاثر

وشتّتنا قبلة يوضاس على الخدّ الطاهر…..

بهذه الكلمات الدالّة على عمق تجربة دينية وأدبية تطرح سهاد تساؤلات إنسانية يراد بها ولوج ماورائيات قدسية وأدعية وطلبات حارّة لعلّ أهل السماء من ملائكة ، قديسين وانبياء يعكسون هذا الارتطام الرهيب وهذا المصير الجهم المخيف الرهيب، إذ لطالما تكررت قبلة يهوذا في هذا الوجود وتكرر الغدر ولطالما كان الجلاد يعاود استنساخ ذاته الأبدية كما في لعنة الفراعنة أو اسطورة اوديب وخاتم سليمان وشياطين تعود لتفلت من القمقم وتهرب من صندوق باندورا المرصود !

وفي نصّ آخر تواصل سهاد طرح السؤال الوجداني المحوري قائلة :

ما هو دوري ؟

تحكي عن الرغيف وعن الدماء وعن ثورات وجراح نازفة مذكرة بسؤال” لينين “:

ماذا يجب علينا  أن نفعل ؟

الجواب في بواطن الشعر والنصوص والمعاني والتجربة بحدّ ذاتها فها هي سهاد تقول :

 هو وطني..

المُعلّق على خاصرة الكادحين رغيفاً.

في وطني استحال الرغيف قرصاً من العلقم الممزوج برائحة التراب الذي يغصّ حتى بشُربة الماء.

وهنا أتساءل ما دوري في هذه الحياة؟

هل عليّ أن أطبع آلامكم على الأوراق. وأبيعها بأغلى الأثمان؟

هل عليّ أن انتحل صفة الأنبياء؟ وأقول لكم إصبروا ففي الصبر نجاة..

أم عليّ أن أكون مجسّماً خشبياً يشرب دائما الماء المنهمر من السماء حتى يكبر ويُفرد ريشه كالطاووس ويظنّ نفسه إله..

نحن غارقون في البؤس ونظنّ أننا نسبح على سطح الماء، لكنّه الوطن المقسوم  اثنين، قسم في المنفى يُصلي، وقسم داخل الوطن يشرب من دمع العين..

قال لينين ذات يوم الحرية رغيف وجبران اعتبر أن الفقير ليس بحقير فكل حاجاته كسوة ورغيف خبز .

أما نحن فنحتاج إلى حرية ورغيف الخبز وايضا الدواء والكساء وكل شيء وفوق كل ذلك نحتاج إلى كرامة وأن نعيش إنسانيتنا..

وحتى نعيش علينا أن نثور ونصغي إلى صوت الضمير فمن دون ذلك سيبقى الجلادون متسيّدين يسرحون ويمرحون..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *