محمد إقبال حرب: الكتابة رسالة يحرُسها ضميرٌ حي

Views: 408

قسم المقابلات المكتوبة والمباشرة في الشبكة الإعلامية timenewsleb

مقابلة مع الكاتب والروائي محمد إقبال حرب، أجرتها الكاتبة والإعلامية عطاف الخشن

إشراف رئيس مجلس إدارة: الكاتب والإعلامي عطاالله دعيبس.

 

 حين تحاور الروائي محمد إقبال حرب فأنت أمام ذاكرة مليئة بالنجاحات والألق. ذاكرة استطاعت بتوهجها أن تضيء أركان الفكر، وأن تطير بالمتلقي إلى سماوات من الجمال والعزيمة رغم مفاجآت الحياة التي قد تباغتك على حين غرّة.

للروائي محمد إقبال شخصية رائعة تشبه كتابته تمامًا، تلك الشخصية البسيطة العميقة في آن، يقابلها لغة سلسة بعيدة المعنى والمغزى تغذي الروح بالتفاؤل وتمنحه الرقيّ عن الماديات.

حين أطلق رائعته في ديوان (الملعون المقدّس ) استطاع أن يلفت أنظار الجميع وأن يستحوذ على الأضواء بسرده الجميل وتفاصيله الرائعة.

في السطور الآتية، نقف مع الروائي محمد إقبال حرب الذي أطلقنا عليه سرب أسئلتنا فأطلق علينا فراشات أفكاره.

محمد إقبال حرب من مواليد قرية شمسطار البقاعية في لبنان،نشأ في سد البوشرية في جبل لبنان. كاتب وروائي لبناني، درس التمريض في الجامعة الأميركية في بيروت، ودرس البصريات في الولايات المتحدة.عمل في عيادة Reitna Associates في مدينة بوسطن كمشرف على العيادات الفرعية ثم انتقل للعمل كإخصائي بصريات في مدينة الظهران في السعودية.

المنسق العام للهيئة الثقافية في منظمة المتوسط لتنمية الثقافات. ألّف عدّة مؤلفات في القصة والرواية والمقالة مثل: هنا ترقد الغاوية، الحقيقة، عاشق النسيان، موت شاعرة، ولادة شاعر، يسقط النظام، العميان الجدد، الملعون المقدّس.

١_ أخبرنا كيف بدأت طريقك مع كتابة الروائيات؟ وما هو فن الكتابة الروائية عند الروائي محمد إقبال حرب؟

نادتني الرواية في عُمرٍ متأخّر، ندَهت مرارًا ببحّة الناي حتى اخترقني صداها. اقتربتُ منها، تفحّصتُها عن قُرب، سبرتُ ملامحَها، تفرّستُها، فانبلج سجلّ حكاياها أبجديّة مشاعر. أخذني جُنون اللقاء إلى حيث البشر حكايا خالدة، شفافة، تتلألأ بألوان طيف الحقيقة طلاسمَ أزليّة تنتظرُ من يفكّكها قِصصًا وحكايا. أسرني اللقاء فآليتُ البقاء أُفكّك طلاسمَها روايات حاضرة وغابرة، من واقع وخيال، حُبّ وكراهية، مُقدّس وملعون، من عالمين أحدُهما أعرفُه والآخر يعرفُني.

عشقتُ في ذاك العالَم رموزَه فتبنّيته مِدادًا، نهلتُ منه ولم أثمل بعد من جداريّة وجود لا ينتهي. للرمزية سحرٌ يتسلّلُ إلى الروح كشرابٍ يُدمنه عُشّاق الحرف وتفكيك الأحاجي، كما يعشقون مِرآة أنفسهم.

٢_لاحظتُ كَمًّا من الروايات والمؤلفات الخاصة بك، كيف تسرد كل تلك الحكايات المتداخلة والممتدة في الزمن، لشخصيات بأعمار وأمزجة ومصائر متفاوتة، وكأنك تحكي لجارة ما جرى هذا الصباح، بكل ما في الكلام من حميمية وقرب؟

عندما تكون روح الكاتب جزءًا من مُجتمع، وثقافة، وبيئة، بجذور انتماء تمتدّ إلى الإنسانيّة الشامِلة لا بدّ من أن يقرأ الوجوهَ التي يتفرّسها، وأن يسمعَ بوحَ الأرضِ والبشر وهُم في سكون. تختلطُ مشاعرُ الطفولةِ مع الشيخوخة، الحزنِ مع الفرح، زمهرير الخريف وقيظ الصيف، مشاعرُ الهزيمةِ والنصر مع عُشقِ الحياة وفلسفةِ البقاء في غُرف القلب حيث يُصبحُ المزيجُ مِدادًا أقطّره في أوعية الحرف على صفحاتٍ بألوان القصّة والرواية والنصوص المُسافرة إلى كل إنسان سمعتُ نبضَ قلبه عبر أثير الوجود.

٣_ هل فقدان الثقة في المُستقبل هو رفض النظر في تراث الماضي؟ كيف تعلّل رأيك؟

لا أجد هذه المقولة صائبة، فمن يفقِد الثقة في المُستقبل هو فاقدٌ لثقته بنفسه، يتمسّك بتعليل فشلِه. نحن من يصنع المُستقبل يا سيّدتي قدْر ما أوتينا من إرادة وإصرار على البقاء الشامِخ. الإنسانُ المصرُّ على البقاء عزيزًا كريمًا يستغلُّ مواردَه مهما تواضعت ليبني معرفتَه من أجل مُستقبل يصنعُه بفخر. أما تُراث الماضي فهو هباء منثور إذا لم يكن مصدرَ قوّةٍ وإلهامٍ نستندُ إليه لبناء صرحٍ من النجاح نعلّقُه على جِدار الآباء والأجداد فخرَ بقاء وعطاء.

٤_ لماذا اخترت لروايتك الملعون المقدس هذا الاسم، لقد أخذت ضجة إعلامية رائعة، فكيف يكون ملعونا والقدسية صفته؟

القداسة واللعنة صناعة بشرية، حَكَمُها طاغية، يصبُّ اللعنةَ على هذا أو يُخلّد ذاك. لا أحد يجرؤ على الطعن في أي من النعتين خوفًا من جلّاد جاهل. لذلك تمرّدَت رواية “الملعون المقدّس” على تلك الصناعة البشريّة في مُحاولة جريئة لإنقاذ الملعون من جريمة الوصمة الأزلية، ولإعطاء نعت القداسة مكانًا أكثر عدالة وخصوصيّة بعدما أصبحت القداسة شهادة فخريّة يمنحُها رجال السُلطة والمعبد للتابعين ويوصِمون من يعارضُهم بِلَعنة تُصيبهم وذويهم أبدَ الدهر. ذهبت بعيدًا إلى مكان لا يشوبه تشويهُ البشر فلا تُصبحُ القدسيّة واللعنة سلاحًا بشريًا، بل صفتان يكتسبُهما الإنسان في صراعِه مع الوجود، يتنقّل بين هذا وذاك قدر إصراره واختياره حتى يتوّج نفسه مقدّسًا أو ملعونًا فوق رُكام الأيام التي أحرقها عدّاد الزمن.

٥_ هل التركيز في كتابة الروايه _ عربيا_ على الجانب الموضوعاتي أم الجانب الفني؟

لست مخولًا للإجابة على هذا السؤال لعدم اطلاعي على ما يكفي من روايات تشمل عالمنا العربي. لكن برأيي المتواضع قدر مطالعتي أرى أن الجانب الموضوعاتي هو ما ينبع من صراعنا اليومي مع الفساد والهزائم المُتلاحقة سعيًا وراء أسباب الحياة المنهوبة والغوص في أجساد تبعثرت مشاعرُها فلم تفرّق بين الحُبّ والكراهية وبين بشريّتها وإنسانيّتها. للأسف لم أجد هذا في معظم ما قرأت، بل وجدت الموضوعات المطروحة إما مُستهلكة أو منقولة عن روايات عالميّة وهذا ليس عيبًا كما أنه ليس ابداعًا، فالتقصير واضح في ندرة البحث واستنباط طرح جديد ينبع من ثقافتنا ليعالجها بدقّة الخبير. أما الجانب الفني فأستطيع القول إنه معوّق لأن معظم الكتّاب لا يقومون بواجبهم من ناحية البحث والتنقيح والتدقيق وهذا واضح جدًا في كثير مما قرأت.

٦_ نلاحظ عند بعض القراء أنهم اهتموا بحجم الرواية أكثر مما اهتموا بفنيتها ، هل صار القراء يميلون الى الرواية القصيرة _ إن صحّ التعبير_ ولا يهتمون بتفاصيلها الفنية، فهم يعتقدون أنه كلما زاد عدد صفحات الرواية ربما صار الكلام حشوا ومملّا، هل توافقهم الرأي، وما هي خاصية الكتابة الروائية حجما وفنا؟

الاهتمام بحجم الرواية أو شكلِها ضربٌ من ضروب الجهل. إذ يمكننا قراءة رواية طويلة جدًا بشغف المضمون الذي يثير فضولنا للتفكير ويثرينا باللغة والمعرفة أسلوبًا وطرحًا. وكم من روايات أو قصص معدودة الصفحات لا يمكننا تجاوز صفحاتها الأولى مللًا. موضوع الرواية وأحداثُها، كما بلاغةُ طرحِها وتقنيتها يفرضان حجم الرواية فلا تكون طويلة مملّة أو قصيرة مبتورة.

٧_ الكثير بات يتحدث عن نسقية التحول في الرواية العربية، هل الكتابة الروائية صعبة؟ هل التحول يغير في نوعية الكتابة وطرق الابداع فيها الى خلق ابداعات أخرى؟ هل آلية السرد تصبح واعية أكثر؟ ما الهدف من التحول؟

كتابة الرواية موهبة، تتجلّى بصَقلها عبر القراءة الجادّة والتعمق في المعرفة والنهل من معين الثقافة عبر الإدراك والوعي. لذلك لا أجد أن كتابة الرواية صعبة، بل مُضنية ومُتعبة لأن الكاتب يعيش الأماكن والشخصيّات في زمن مُقتطع من حياته لا يعلم مدّته، فهو يدري متى يبدأ لكنه لا يدري متى ينتهي. يدخُل بُعدَ الرواية فيخرجُ من حيّز الواقع. بما أن واقعَنا مختلف عن واقع السّلف ووقع تفاصيل حياتنا معقدّة إلى حدّ لم يعرفه السلف إضافة إلى شموليّة وعالميّة إنساننا الحالي لا بدّ من أن يكون هناك تحوّل في أسلوب السرد والطرح والرؤيا. نحن نعيش في قرية عالميّة، المعلوماتية في يد الجميع، نرى المُستقبل أوضح وأعمق، ولدينا تاريخ إنساني من التجارب لم تتوفر لأجيال سابقة. لذلك أرى، بل أُصرّ على أنه من العار ألا تتحوّل آليّة السرد والطرح لتواكب عالمَنا الفكري الغني بروائع الأدب العالمي، وبكمٍّ هائل من الطروحات الفلسفية والعلميّة التي لم يحلم بها أسلافُنا.

٨_ يقال: أن هناك خمس خُدع يلجأ اليها الروائي المحترف لكتابة رواية كاملة في شهر واحد، هل طول عدد الايام والشهور من أساليب الكتابة الابداعية للرواية؟

تذكّرني كلمة خُدع (التي تتعارض مع رسالة الروائي) بطلبات الـ “ديليفري” التي تستنجدُ بها ربّة المنزل عند الضرورة. المُفارقة أن الروائي ليس مضطرًا لكتابة رواية بهذه السرعة، إلا إذا كان تاجرًا يُلبِّي طلبات دور النشر.

صِناعة الأدب عمومًا والرواية خصوصًا تحتاج إلى خلق فضاءات وعوالمَ في كل جلسة كتابة، ليقتحمَها بقدسيّة الفكر وبراعة القلم فيخطَّ مزاميرَ تُشبعُ نهم القارئ وتروي غليلَ العارفين. وهذا ما يتعارض كليًا مع الاستنجاد بما يجعلُ الرواية من صُنف “ديليفري”.

٩_ ما الرسالة التي تريد أن توجهها في ختام مقابلتنا؟ كلمة أخيرة لك

بداية أريد أن أشكر الإعلامية، الشاعرة عطاف الخشن وموقع الشبكة الإعلامية Timenewslebعلى اهتمامها الدائم بالجناح الأدبي لعصفور الثقافة المُغرّد.

لا يوجد رسالة مُحدّدة، لكن أودّ تذكير نفسي والكتّاب أن الكتابة رسالة يحرُسها ضميرٌ حي.

إدارة الشبكة الاعلاميةtimenewdleb متمثلة بمجلس إدارتها الاعلامي عطا الله دعيبس ونائب الرئيس الاعلامية عطاف الخشن  تخصّ بالشكر الجزيل لضيفنا راجين له السداد والتوفيق.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *