النقيب جوزف القصيفي… شاعر يصرخ في بيادر الحياة

Views: 379

أنطوان يزبك

 

عرفنا النقيب جوزف القصيفي نقيبا لمحرّري الصحافة اللبنانية وامينا عاما مساعدا للاتحاد العام للصحفيين العرب ، و داعية مثابرًا،مكافحًا وجادًا للسلام ونبذ الكراهية والاحقاد ، وعاملا نشيطا في تثبيت الديموقراطية وحريّة الصحافة والاعلام واحترام الرأي الآخر وحرية التعبير؛ وهو إلى ذلك صاحب تاريخ صحافيّ طويل عريض خاصة أنه خير من شهد على  الأحداث التي عصفت ببلادنا  في السنوات الأخيرة الماضية ؛ أحداث تحتاج إلى مجلدات في حال بدأ النقيب في  روايتها …

ولكن لكلّ مقام مقال فالنقيب أيضا شاعر بالفصحى والشعر اللبناني على حدّ سواء، وفي لحظة فريدة من صفاء وتجزية للوقت، تعالوا لندخل إلى عالم ابن الكفور الشعري العامي الغزلي المتحرر النزق والعفوي ؛ وسمّوه كما تشاؤون طالما هو شعر صادق ومحبّب فيه من العذوبة ومن الملذات المباحة وغير المباحة الشيء الكثير الكثير!

كما وفيه ما ينعش فتوّة القلب ويحاكي الشباب العاتي والجموح الصاخب ويبهر العين والذهن لشدّة نصاعته. شعر يصحّ القول فيه إنّه شعر  osé  بعض الشئ غير أن جوزف القصيفي الشاعر يعرف كيف يسلس للشعر قياده ،ويعرف كيف يتحكّم به بحيث لا يتجرأ القصيد على شيء سوى الخيال ، ولا يخدش إذا خدش سوى العقول الرجعيّة المكبّلة  والاذهان الرماديّة!.

 فها هو يعود بنا إلى أيّام جميلة افتقدناها أيام الغرام الأوّل وحبّ الحياة ،الحبّ الأصلي غير المشروط ، حين يرتد كلّ شيء إلى بداياته ، وحين ترتسم جمالات الطبيعة في القرية الوادعة مع صخب المدينة ومغرياتها في اتّحاد عضويّ، وكل ذلك يرتسم في شعريّة اللحظة الملتمعة كبريق التماع الشهب والنار، يقدمه النقيب جوزف في شعره المتوقّد..

وأعود وأكرر ان الذي يدخل في عالم جوزف القصيفي الشعري الممتع ، النفيس والاورجينال ، يتنفّس حريّة غير شكل ويحار ماذا ينتقي، عالم معجوق بمئات القصائد والشعر الكهربائي الحديث، الشعر  الإلكتروني المزدان باستراتيجية الذبذبة المتراقصة المتوافقة مع الحركة الالهاميّة المدوزنة   على أنغام قيثارات العشق والغرام ،التي تطيّب النفس وتدعو إلى الزهو والفرح.

نعم في هذه القصائد واللمعات تتهافت المشاعر كما يتهافت الزمن في دورته العجيبة وكما يتهافت ايضا الغرام في حلقته الماسية ويتسلل إلى عالم لا وقت فيه ولا مكان سوى للحب.

وعلى توقيت الغزل الحامي المألوف والمستطاب، يقول شاعرنا :

حمرة شفافك عسل

وعيونك بتدمع كسل

حلوي وطيبي عالريق

عندك سحر خزّيق

بالغوى مضرب مثل

 

حلوي بتتلوي شبق

نيال من جد وسبق

معجل يشم الحبق

لا تبخلي عليه بقبل

لا شك في أن لهذه الجرعة اللذيذة والممتازة وقعًا وتأثيرا كبيرين ؛ ولكن في معين النقيب ، شلالات من أبيات لا تنضب ولا تجفّ ، ولمحاته السريعة تتسابق مع القصائد أينما وقعت من الوجد والبال وها هو يقول في قصيدة تفوق سرعة الصوت وتبزّ لمحات منابع الضوء :

 نسرين لمتل طير الدوري

ومعها جرة فاخوري

وبايدا في دينة حب

 وعا شفافا ورد الجوري

وبايدو صايغها الرب

مباركها شيخ وخوري

رمانا معبعب بالحب

احمر، زهري ، بلوري

بتشفي المعتل بلا طب

بغنجة صوتا الشحروري

عيونا بتوقّع بالجب

بتضحك وتقلك سوري

ومن كاس الهوى بتغب

خمره لونا زعروري

كما يصف النقيب جوزف المحبوب ، في نظرات عينيه من خلال ما فيه من عدة جميلة واغراء يبدد البشاعة ،قائلا :

 سلاح محبوبي بجفونو

واللمعة بقلب عيونو

الله يوقيني جنونو

  سكران كتيري قداحو

وللحبّ أيضا معاناته حين يغدو الحبيب بعيدا أو في غياب طوعي أو قسري وكما في كل حين ثمة لحظة تفكّر تليها لحظات من ألم وهجران كما يتعاقب الحلو والمرّ ؛ ويقول النقيب في هذا الصدد :

  دقّو عالباب وراحوا

اخدو قلبي ومفتاحو

حتى الميسي لحد الدار

حساسينا هجروا  وناحو

 

 والزيتوني بقرب البيت

مشاعل من زيتا ضويت

يا ريتا بتحكي يا ريت

عن محبوبي وسلاحو

 

 والفلّي لجنب العتبي

وزارعها لحبا قلبي

جرفتها ريح الغربي

 وبالجو وراقا ساحو

 

سكران ودايب فيها

ودمع عيونو بيسقيها

ودرب الشوك بيمشيها

هيي البلسم لجراحو

 

عشقان وعايف دينو

بيطلب من ربو يعينو

مدودخ شاهر سكينو

لو عنو الخمرة زاحو

 

 عشقان وكاتم سرو

متل العشقو وانغرّو

والله يكفينا شرو

لولا بسرو باحو

في لحظة الحب كل شيء مباح ولا قوانين توقف المشاعر أو سدود تضع حدّا للانفعالات ؛ فها هو قيس بن الملوّح قد قال ذات يوم :

وزادني كلفا في الحب أن منعت

احبّ شئ إلى الإنسان ما منعا

وفي غمرة الزمن ومع تقدّم السنين والايام بالشاعر ، لا يقف زمن الحب ولا يتعثّر بل على العكس إذ تختمر المشاعر في سريرته كما الخمرة الجيّدة في الدنّ ، ومع تعداد  السنوات والخبرة تدفع به الطاقة الشعرية إلى مواصلة الكتابة وعدم حبس المشاعر في القلب ولا موانع أبدأ ترهقه كما ارتقت قيسا قبله، فيقول :

انا والليل سهرانين

بعز البرد بكوانين

شفاف تغنج الوجنات

بلذّي ما لها قوانين

 تتنقل وتزرع البوسات

بوسات من شوق وحنين

وعيون ع شمخة التلات

زايغة بين العنب والتين

وبشتل بشعرك الوردات

وبسيّجك بالفلّ والياسمين

وبغرف من صدرك آلاهات

الحب ما لو سياسي ودين

تعي تندوزن النهدات

تتشتّي الدني تلاحين

ونقطف من صدى النايات

باقات من صعتر وقصعين

ونغزل من عطرها شالات

مطرّزة، ومدهّبي بورق تشرين

شو بحب لما بتطلقي الشهّقات

ولما تلبسي عري التكوين

وبتعصفي بليلة الشهوات

متل ما بيعصف التنين

ما تهتّي بشيبة الشعرات

خافي من جهلة السبعين

وما بحسب الايام والساعات

بعدني شب وبقوة العشرين

تبقى هذه القصائد ، في سحرها وقوّتها تصرخ في بيادر الحياة حبّا وشبابا وشوقا على موسيقى تغريد عندليب، ويبقى جوزف القصيفي في شعره باللغة الفصحى وبالمحكي يكتب القصائد الجميلة بأحرف من عطر الياسمين ومساءات جميلة وصباحات منوّرة لها نكهة بلادنا الجميلة وقصص الغرام محرّك الشعر الأزلي في خضمّ دينامية البقاء والاستمرار! …

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *