أنيس فريحة في الذكرى الـ 120 لولادته لا يزال صوته يُسمع في الكتب وفي سيرته كأستاذ “غير شكل”

Views: 359

سليمان بختي

كتب أنيس فريحة (1903-1993) في كتابه “قبل أن أنسى”: “ولدت ونشأت في عائلة فقيرة مستورة. وكان والدي يعلم أولاد القرية. ومالت نفسي إلى التعليم. وأملت أن أصبح يوما معلما، وهكذا كان”.

أنيس فريحة اديب ومدرس وباحث في التراث اللبناني ودكتور في الفلسفة واللغات السامية. تميز بدراساته العلمية والأكاديمية. درّس اللغات السامية والحضارات القديمة في الجامعة الأميركية وكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية. أتقن عددا من اللغات السامية كالسريانية والعربية والكنعانية والأوغاريتية. كما اهتم ببعض الجوانب من تاريخ لبنان وتراثه الشعبي ولهجاته وعادات القرى وتقاليدها وأمثالها وأسماء الأشهر والعدد والأيام إضافة إلى تبسيطه قواعد اللغة العربية والخط العربي.

الصورة من معرض بيبيليوغرافي لأنيس فريحة أقيم في الجامعة الأميركية-بيروت ( 2019)

 

ولد في رأس المتن من أسرة أُرثوذكسية لكن أباه “أبو نجم” انضم إلى طائفة الفرندز البروتستانتية. تلقى علومه في مدرسة أوليفر والشويفات وسوق الغرب.

قال له والده عندما قرر إكمال علومه العليا في الجامعة الأميركية:” كمّل والله المدبّر يا انيس”. تخرج من الجامعة بإجازة عام 1927. ثم نال شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة شيكاغو.

درس في جامعة توبنغن في ألمانيا على يد المستشرق آنو ليتمان (1875-1958) ثم عاد إلى شيكاغو ليحصل على دكتوراه في اللغات السامية.

من ذكرياىه أنه عندما عاد ،كان يتحضر لامتحان الدكتوراه في جامعة شيكاغو،  سأله أستاذ العهد القديم عن مار أفرام السرياني وعلاقته بتأسيس الرهبنة وأعطاه بضعة أيام للإجابة. راجع كثيرا في هذا الموضوع ولم يستطع أن يكوّن جوابا حاسما. ذهب إلى الأستاذ وأجابه :”لا أعلم”. فسُرّ الأستاذ في هذا الجواب وقال له:” أما الآن إذ أصبحت تعلم أنك لا تعلم فإني أجيزك”.

الصورة من معرض بيبيليوغرافي لأنس فريحة أقيم في الجامعة الأميركية-بيروت  (2019)

 

امتهن التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت وفي جامعة فرانكفورت ألمانيا وفي جامعة كاليفورنيا. وعمل أستاذا زائرا في معهد الدراسات العالية التابع لجامعة الدول العربية وفي النجف الشريف وفي معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن.

يقول في كتابه “قبل أن أنسى”:” في السنة الأولى من اختباري في التعليم تعلمت أكثر مما علمت واستفدت أكثر مما أفدت. تعلمت ضبط النفس.. وعدم التسرع في إصدار الأحكام… من النصوص العبرية التي أقرأها مع تلاميذي قصة داوود النبي. ولم أُبدِ حماسة فائقة للنبي داوود. قلت أنه اغتصب المُلك اغتصابا، وألف جماعة (عصابة أو ميليشيا بلغة اليوم) من قطاع الطرق، وفرض خوة على الناس ( على هذا المعيار يصبح عندنا آلاف الناس أنبياء) وأدهى من هذا كله رأى على سطح بيته امرأة تستحم فقتل زوجها وتزوجها. ويظهر أن إصدار الحُكم المتسرع على داوود لم يرق لفتاة عراقية مسلمة مؤمنة وتعترف بداوود نبيا من أنبياء الله. فشكتني إلى نيكولي العميد الصارم. وقالت لا يجوز أن يكون الأستاذ كافرا يتجنى على أنبياء الله. وفي اليوم التالي تسلمت وريقة عليها ما ترجمته “تفضل بمقابلة العميد”. كان لقاءً جافا قلت في آخره ” أليس الأستاذ حرا في إبداء آرائه”. قال:” شريطة أن لا تمس الشعور الديني لأحد من الناس”. وخرجت”.

 

كتب أنيس فريحة والف عددا كبيرا من المقالات والأبحاث وكتب في مواضيع مختلفة في اللغة والأدب والتراث. له محاضرات في اللهجات والأساليب ودراستها ( 1955) وكتابه الشهير :” إسمع يا رضا” 1956 و “يسروا أساليب التعليم” 1956 و “إحيقار حكيم من الشرق الأدنى القديم” 1962 و”أثينا في عهد بركليس” 1966 و”معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية   وتفسير معانيها” 1972 و”معجم الألفاظ العامية” 1973 و”هذا أيسر- رسالة إلى وزير التربية شارل مالك” و”حضارة في طريق الزوال” و”القرية اللبنانية” و”نحو عربية ميسرة” و”معجم الأمثال اللبنانية الحديثة” و”في اللغة العربية ومشكلاتها” و”أسماء الأشهر العربية وتفسير معانيها” و”الخط العربي نشأته ومشكلاته ” و”الفكاهة عند العرب” و” سوانح من تحت الخروبة” و”النكتة اللبنانية تتمة لحضارة حلوة” و”دراسة للهجات دراسة علمية” و”تبسيط قواعد اللغة العربية” و”ملاحم أوغاريت” و”ملاحم  وأساطير” و”قبل أن أنسى” كان آخر إصدار له.

في السنوات الأخيرة من عمره شح بصره وكنت أراه يمشي في حرم الجامعة الأميركية ويجلس على المقعد الخشبي الأخضر غربي مبنى الكولدج هول ويديم النظر في جبل صنين. كان يرغب أن يمضي أيام شيخوخته في قريته رأس المتن ولكنه اضطر في الحرب أن يبيع منزله وأن لا يكون مثواه تحت الصنوبرات قريبا من مرقد أمه وأبيه. أوصى بحرق جثمانه.

 

كان أنيس فريحة من القلة النادرة التي عملت لأجل لبنان الحضارة والثقافة والتراث والإنسان والقرية وبناء العلم والمعرفة بدأب وصمت وبأصالة  قل نظيرها. تجلت عطاءات وإنجازات أنيس فريحة وأمثاله من رجال العلم والأدب والثقافة في تطوير المعرفة والثقافة وإفادة الباحثين.

 أنيس فريحة في غنى عن التكريم في زمن التافهين والمأجورين واللاهثين وراء الكراسي والألقاب في لبنان. فكتبه تكرمه كل يوم وآلاف التلاميذ الذين درسوا على يده يذكرونه بالخير فمثله يعيش في ذاكرة الناس والوطن طويلا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *