مخائيل نعيمه…ناسك الأدب وفيلسوف الكلمة

Views: 20

د. ريما نجم

 

*دراسة أدبية (الجزء الأول)

 

لعبت الثقافة الاوروبية في بدايات القرن العشرين دورا بارزافي مسار الادب في الشرق العربي لأنها سخرت مبادىء ومفاهيم غير تقليدية في اذهان النازحين اليها من الادباء والمفكرين والمبدعينالمعروفين برجالات المستنيرين العرب .

شكلت هذة الثقافة حالات فكرية ثقافية متضاربة، فكانت لدى بعضهم هي حالة من السخط على الشرق بينما البعض الآخر اعتبرها حالة من الاقتداء والانصهار في مناهجها،أما البعض الثالث فسكب ما نهله من معارفها في غربال لاستخلاص ما سوف يساعده على تطوير الثقافة الام في الشرق وصلاح ما فسد فيها .

مخائيل نعيمةشخصية ادبية تجلى حضورها في العديد من الاتجاهات الأدبية، فهو مفكر واديب مسرحي وروائي تميز بالقصة القصيرة، وكان أيضا شاعرا وصحافيا وناقدا، له في كل اتجاه بصمات مميزة .

 

ميزاته الادبية

تميز مخائيل نعيمة بايمانه العميق بـ “الكلمة” وجاذبيتها ومفاتنها وتأثيراتها في مجرى الاحداث اليومية بحياة الانسان وبقدراتها على التغيير والتجديد في كافة شؤون الدنيا، واكد ايمانه في كتابه “من وحي المسيح”،فقال :”لقد الفنا الكلام نطقا وسمعا الى حد نسينا معه الكلمة وهي اعجب عجيبة في حياتنا على الاطلاق.”

ثم استطرد قائلا: “نحن على غير علم منا نخلق انفسناباستمرار ونخلق العوالم التي نعيش فيها وذلك بقوة الكلمة”.

 انبثاقا من هذا الايمان كان نعيمة مهتمابضرورة تجديد “اللغة” وتنقيتها كما ورد في مذكراته “سبعون”، لأن الكلمةفي مفهمومه الادبي هي قوة هائلة في ايدي الذين يقدسونها، فلا يستعملونها الا للخير والهدايا وهذا الحافز جعله يؤكد بأن الادب موهبة على صاحبها ان يصقلها بالاكتشافات والمطالعة،كما ان الكلمة بمنظاره الادبي هي مظهر من مظاهر الفكر وبدء الخليقة، لهذا السبب دعا في مقالته الشهيرة “نقيق الضفادع” الى تهذيبها .

تأثره بالأدب الغربي

تأثر نعيمة بالأدب الروسي بحكم دراسته الاولى في المدرسة الروسية وبعدها في مدرسة “دار المعلمين”، وهي احدى جمعيات الامبراطورية الروسية في فلسطين حيث اكمل دراسته الثانوية فيها، وفي العام 1906 انتقل الى اوكرانيالتحصيل دراسته الجامعية.

 خلال هذة المحطات الدراسية تعلّم اللغة الروسية وآدابها وتأثر بفلسفة دوستويفسكي وتولستوي وآرائهما الاصلاحية في توعية الرأي العام وتبنيهما القضايا المصيرية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية، ثم تأثر فيما بعد بالنهضة الثقافية الاميركية بعد انتقاله الى واشنطن لدراسة الفلسفة والآداب والحقوق في جامعة سياتل،  مما زاد من اطلاعه الفكريفتعلم اللغة الانكليزية التي ساعدته على اكتشاف الفلاسفة والادباء في أوروبا، فشعر بميول لدراسة ثقافات الشعوب والشرائع والفقه الاسلامي وتفاسير القرآن والحديث، كما قام بدراسة كتابات النهضويين والتنويرين في أوروبا، وكانت لانضمامه الى “الرابطة القلمية”(التي اسسها الادباء العرب في المهجر) اضافات مثمرة لفكره .

ساهمت اتصالاته بالجمعيات “الثيوصوفية”، التي قدمت افكاره الموروثة، دورا خاصا في ادبه لأنها حثته على دراسة الاساطير والدين ووحدة الأديان، فسكب كل هذه الإكتسابات الثقافية في مقالات كان ينشرها في مجلات مثل “مجلة الفنون” الاميركية و”السائح” .

 

خصوصية فلسفة نعيمه

إن ايجاز فلسفة مخائيل نعيمة يقوم على ثلاثة اقانيم :

1_ تأثره العميق بالثقافة الروسية وبأفكارادبائهاومفكريها .

2_ تطبعه بالفلسفة “الثيوصوفية” التي بدت متجلية في مؤلفاته وابداعاته الادبية .

3_تأثره بعلمانية فلاسفة عصر التنوير. زد على ذلك تأثره بروحانية الفكر الشرقي واخلاقياته وانتمائه الحضاري ونظريته للدين المحصورة بالجوهر الروحي ومقاصده الأخلاقية. لهذا قال إن المصباح الذي اهتدى بنوره هو الانجيل “وقد ضايقني أن تحجب الكنيسة نور ذاك المصباح بغيوم كثيفة من الطقوس والتقاليد . https://microbeonline.com/

تأثر ايضا بالفلسفة الصوفية التي ترمز الى وحدة الوجود وفلسفة سبينوزا، فلم يفرّق بين وجود العالم ووجود الله، اي برؤية فلسفية واضحة يقصد الطبيعة الطابعة والطبيعة المطبوعة ولا سبيل لمعرفة الله بمعزل عن الوجود الانساني.

يستنتج نعيمة في خلاصة فلسفته بان الاخلاق وحدها هي التي يمكن أن تصنع الخلاص والسعادة على الأرض، بينما الرذائل والشرور هي من الطقوس الهمجية .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *