عَبْرَ ندوة حول كتاب وفي حفل تكريمي الاحتفاء بكبيرين من عكار : د. مسعود ضاهر والعميد د. كميل حبيب

Views: 763

إعداد د. مصطفى الحلوة

الشيخطابا ومنيارة شهدتا أمس حدثين فكريين ، أوّلُهما ندوة حول كتاب المؤرِّخ د. مسعود ضاهر “تاريخ لبنان الاجتماعي المعاصر خارج القيد الطائفي”، الصادر عن “دار النهار للنشر والتوزيع” . وثاني الحدثين ، الاحتفاء في منيارة (مطعم Elies) بعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، في الجامعة اللبنانية البروفسور كميل حبيب ، الذي بلغ سن التقاعد منتصف أيار الجاري.

كانت مشاركة في كلا الحدثين ، من مختلف مناطق عكار، ومن طرابلس وجبيل وبيروت ، ومن الضنية والمنية والعديد من المناطق اللبنانية .

 

– ففي المدرسة الوطنية الأرثوذكسية – الشيخطابا (قاعة المحاضرات)، أُقيمت الندوة ، بدعوة من ” مركز عكار للدراسات والتنمية المستدامة” ، بالتعاون مع “المدرسة الوطنية” و”دار النهار” . وقد مهّد للندوة وقدّم المتكلمين رئيس “مركز عكار” د. مصطفى الحلوة ، وتوالى على الكلام العميد كميل حبيب، ود. زياد منصور ، والقاضي زياد شبيب ، مدير عام دار النهار.

ومما جاء في كلمة د. حلوة : “لقد أسفَرَ الباحث مسعود ، في هذا الكتاب، كما في سائر مؤلفاتِهِ ، عن صاحب عقل جدليّ ، خلدونيّ السِمات، يروحُ عميقًا ، في الكشف عن البُعدين السيروري والصيروري لمسار الأحداث التي شهدها لبنان ، منذ ما قبل قيام الكيان اللبناني ، وحتى يومنا هذا (..) ، وليُضيف : “ومما خلص إليه باحثُنا ، مُخالفًا المألوف ، لدى الغالبية الساحقة من المؤرخين ، أن الدستور اللبناني للعام 1926 ، لم يتضمّن أي إشارة إلى الطائفية ، إلاّ من باب الحرص على التوازن الوظيفي ، بصورة مؤقتة . وهو، منطلقًا من هذه الرؤيا ، يُشدِّدُ على أنّ الطائفية هي من سِمات النظام السياسي الاجتماعية (..) وهو يقرأ الطائفية من حيثُ بُعدها التوظيفي السلبي ،التي  تتوسَّلُها منظومةُ الفساد لتعطيل مسار النضال الديمقراطي وصُنع التغيير”.

وأنهى د. حلوة ، شاكرًا فريق عمل “مركز عكار” لدوره في الإعداد لهذه الندوة ، ومنوّهًا بدور عضو الهيئة الإدارية الأديبة أمل صانع .

 

– العميد كميل حبيب ، مُتكلِّمًا على الكاتب ومشيدًا به ، لجهة الدور ، الذي لعبه في الجامعة اللبنانية ، وفي ميدان الفكر ، ومستعرضًا الكتاب ، قال:”إنّ الوفاء يقضي أن أشير إلى أنّ د. ضاهر هو من وطَّدَ وعزّز العلاقات الثقافية بين لبنان وجمهورية الصين الشعبية ، بصفتِهِ أفضل رئيس هيئة صداقة بين الشعب الصيني والدول الأجنبية . فكان له الفضل في تأسيس مركز كونفوشيوس في كلية الآداب ، وفي تصويب الآراء والمسار، عندما أسّسنا ماستر الدراسات الصينية ، في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية . نحن أمام هامة ثقافية عزّ نظيرُها ، في تاريخ لبنان الثقافي المعاصر. ولمن لا يعلم، د. ضاهر هو من أطلق على سلام الراسي لقب شيخ الأدب الشعبي ، وأنا اليوم أسمّيه : فتى المؤرخين العرب!”.

 

وفي تقييمِهِ الكتاب ، يذهب العميد حبيب إلى أنه “كتابٌ عقلاني في مضمونِهِ ، وثوروي في تطلّعاتِهِ . فيه نقرأ سرديّات الناس المغايرة للسرديّات الطائفية. بمعنى أكثر دقةً ، أي وقوف أدعياء التاريخ وراء طوائفهم ، قد منع عليهم الإجابة عن أي لبنان نُريد؟ وهذا يعني أن تاريخ الجزئيات هو بمثابة حرب على الذاكرة الجمعية ، وتعزيزٌ للنسيان ولتنمية الخوف من الماضي، وكبحًا للتطلُّع نحو المستقبل” . وأضاف : “إنّ د. ضاهر يبتعد عن الأدلجة ، التي ، بحسب رأيه ، شوّهت صورة لبنان الوطن ، وأغفلت عمدًا الدراسات الرصينة ، التي حذّرت من مخاطر الصيغة الطائفية ، كركيزة للنظام السياسي، في لبنان المستقل . وينطلق المؤرخ من مقولة للأستاذ غسان تويني ، إذْ يقول: متى يُعطى لنا؟ متى يُقدَّر أن نؤرِّخ عهودَنا والأجيال والموائل الفكرية ، التي كانت دومًا تحرك السياسة ، بدل أن نترك السياسة تسلب المجتمع ، بل التاريخ، حقائقه ، لتُقيمَ لأصنام الحكمِ أبراجًا !”.

 

– د. زياد منصور ، في مقاربتِهِ الكتاب ، خلص إلى الآتي : “إن الاستنتاج الوارد في الكتاب ، بأنّه بعد الحرب ومسارعة قادة الميليشيات وزعماء العصبيات الطوائفية ، إلى إطلاق الوعود ، بعودة الوحدة الوطنية والترويج لليبرالية الريعية ، لإعادة المعجزة اللبنانية ، لم تنجح . فقد بادر قادة الميليشيات والاولغارش وأصحاب البنوك بتشكيل منظومة عريضة، تمارس الفساد ، مستخدمةً أجهزة الدولة العميقة لضرب النقابات العمالية ، ثم التأسيس لقوانين انتخاب ، تُتنج ما يُسمَّى بالديمقراطية التوافقية المشوّهة ، وتغييب دور المجلس النيابي ، عن مراقبة الحكومة . هكذا بقيت وعود الإصلاح حبرًا على ورق ، ولم يتمّ تأمين التمثيل العادل ، وبقيت شرائح شعبية خارج التمثيل، وتبيّن أنّ رموز السلطة لا يرغبون في إجراء أيّ إصلاح إداري وسياسي ” . وأضاف د. منصور أن النقطة المفصلية في الكتاب هي مأزق كتاب التاريخ المدرسي الموحّد ، الذي تحوّل إلى أزمةٍ صعبة الحلّ ، بعد أن وضع المركز التربوي خطة تربوية متكاملة لتحديث المناهج . هنا يبدو عادلاً طرح د. ضاهر الأسباب المتعدِّدة لذلك، واعتباره أن رفض الكتاب المدرسي الموحد ، أتى بسبب تقاطع مصالح عدة قوى محلية ، داخل السلطة وخارجها ” . وفي إبداء بعض ملاحظات ، على هامش الكتاب يرى د. منصور، بما يخصُّ “قضية المقاومة ضد الاحتلال ، أنّ المقاومة العابرة للطوائف لم تحصد إجماعَ أطياف اللبنانيين كافة . وهذا سؤال إشكالي كبير ، بانتظار أن يُعاد الاعتبار لهذه المقاومة الوطنية اللبنانية ، غير الفئوية وغير الطائفية ” . وحول غياب الديمقراطية في العالم العربي ، فقد تَرك ذلك أثره على قوى التغيير الديمقراطي في لبنان ، الذين بنوا أحلامًا ورديّة ، بأن يصبح لبنان منارة وقدوةً للتغيير الأشمل ” .

وأنهى د. منصور بأن “الاستنتاج الذي توصل إليه مؤرخنا ، بأنَّ لبنان بحاجة ماسَّة إلى دولة ونظام سياسي علماني ، خارج القيد الطائفي ، يجب أن يكون من أولويّات قوى التغيير الديمقراطي ” .

 

– القاضي الأستاذ زياد شبيب ، تبسّط في كيفية إخراج هذا الكتاب الهام إلى عالم الضوء ، متوقِّفًا عند محطات مُتعدِّدة من النقاش بينه وبين المؤلف د. مسعود ضاهر ، حول قضايا كثيرة ومفصلية . وذكر أنه قام بمراجعة مسودّة الكتاب . وهذا ما أشار إليه د. ضاهر ، إذْ أنهى مقدّمة كتابه بالقول : “أخيرًا أتوجَّهُ بالشكر إلى الأستاذ زياد شبيب ، الذي قام بمراجعة مخطوطة هذا الكتاب، وقدّم ملاحظات وإضافات ، ساهمت بإغنائه ” .

وقد كان للقاضي شبيب أن يتوقف عند قضايا ، شكّلت مادة حوارية مع د. ضاهر . وعلى سبيل المثال : أطروحة الطائفية ، وحول طبيعة النظام اللبناني، وإلى أمور شتّى ، فكان بينهما توافقٌ في بعض الآراء وتباين في أخرى .

القاضي شبيب ، أشار إلى أنّه من موقعه الحالي ، في دار النهار للنشر والتوزيع ، سوف يُولي أهمية لمنطقة عكار المحرومة ، وفي عِداد ما يمكن فعله ، في إطار المبادرات الثقافية ، إقامة معرض للكتاب . إضافة إلى فعاليات أخرى، ترتكز على مُقترح له ، حول اللامركزية الثقافية . ومما يُعزِّز هذا الطرح ، بحسبِهِ ، الظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة ، التي تحول دون وصول أبناء المناطق إلى “المركز” (بيروت) ، فالتنقّل بات عبئًا ثقيلاً ، لا يمكن احتماله.

 

– د. مسعود ضاهر ، مؤلّف الكتاب ، أضاء بشكل عام على المفاصل الأساسية للكتاب ، مُشدِّدًا على أهمية كتابة التاريخ الاجتماعي ، الذي تتكشّف عبره مختلف القضايا  ، من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية . وأمَّلَ بقيام جيل جديد من المؤرخين الشباب ، الذين ينتصرون لكتابة تاريخ لبنان الاجتماعي المعاصر ، بعيدًا من المرويّات والسرديّات الطوائفية. وفي معرض المقارنة بين التجربة اليابانية والتجارب الخائبة للمنطقة العربية ، قال إن ما تعرّضت له اليابان ، لم تتعرّض له دولةٌ في التاريخ المعاصر ، لكنها كانت ، كلَّ مرة ، تقوم من بين الرماد ، اقتصاديًا ، وهي اليوم من أقوى اقتصادات العالم ! في حين أن البلاد العربية لم تستطع ، ولا مرّة ، القيام من هزائمها ! وهذه قضية إشكالية ينبغي تعمّقُها .

وقد شكر د. ضاهر الهيئات الداعية إلى هذه الندوة ، لاسيما أنها تجري في مسقطِهِ ، بلدة الشيخطابا ، التي لها في نفسه ذكريات جميلة ، من عهد النشأة والحداثة . ووعد بمزيد من الإطلالات الفكرية في منطقة عكار .

 

وختامًا وقّع د. ضاهر كتابه للمشاركين في الندوة .

.. إثر انتهاء الندوة ، كان عشاء تكريمي على شرف العميد  د. كميل حبيب ، في مطعم (Elies) – منيارة ، حضره أعضاء الهيئة الإدارية لـِ”مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية ” ، و “مركز عكار للدارسات والتنمية المستدامة ” ، إضافةً إلى عددٍ من الضيوف .

وبعد قطع قالب “الكاتو” ، تمّ تقديم درعين تكريميّتين للعميد حبيب، باسم “مركز تموز” و”مركز عكار” . وقد كانت كلمة لرئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره . أشار فيها إلى أنّ هذا التكريم قد لا يستجيب لما يمثّله المحتفى به ، من قامةٍ علميةٍ وفكرية وثقافية ، ولكنه نابعٌ من القلب ! وكان للدكتور العكره أن يُقدِّم للعميد حبيب “زر” مركز تموز، تكريسًا لدوره في تأسيس هذا المركز .  وبدوره ، ألقى د. مصطفى الحلوة كلمة ، توقف فيها عند مآثر العميد، في الجامعة الوطنية ، والتي تمتد على ما يقرب من ثلاثة عقود .

 

وقد دعاه إلى أن يستمر في مسيرته البحثية، بوتيرة أقوى ، بعد الابتعاد عن المسؤوليات الإدارية في عمادة كلية الحقوق .

ردّ العميد حبيب بكلمة وجدانية ، معبِّرًا عن شكره لمكرِّميه ، ووعد بأن يكون عاملاً فاعلاً في “مركز تموز” وفي ” مركز عكار” ، بما يخدم قضايا الوطن وقضايا عكار .

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *