“أبو الحسن الحصري القيروانيّ” تأليف محمّد عبد العظيم

Views: 748

محمّد خريّف

يقول محمد عبد العظيم معلقا على موقف الدارسين لأثر الحصري أمثال محمد المرزوقي والتيجاني بن الحاج يحي والشاذلي بويحي ” لعل هذا المسح العام المجمل لبعض ماكتب حول الحصري  وشعره ، يكشف  بجلاء أنّ حظه من الدراسة  لا يرقى أبدا إلى مستوى غزارة أثره ، بله ما تميز به ذلك الأثر من قيمة فنية  وخصائص أسلوبية ” ص 18

كما يقول في نفس الصفحة عن عدم اهتمام الدارسين بما فيه من ظواهر لزومية اهتماما أسلوبيا ” أما مافيه  من ظواهر لزومية فلم تكن مرة واحدة محطّ اهتمام الدارسين ، ولم يحاول احد الوقوف عندها  وخصها بالدراسة والتحليل  ليكشف طقوسها  وقوانينها ومنزلتها  في الفضاء الذي أدرجت فيه . كما أنّ أحدا لم يحاول الكشف  عن أبعادها ووظائفها في النصوص بمختلف الفضاءات فيها …”(ص18)

وعن مأربه في هذه الدراسة يقول محمّد عبد العظيم :” نحن الذين اتخذنا اللزوم مجالا  لعملنا  ودراسة مختلف  ظواهره  للوقوف على أبعادها  ووظائفها هدفا لنا ، إلى أن نخضّ أدب الحصري بالدراسة . وليس الأديب الشاعر  ذاته  في هذا العمل مأربنا. وليست أغراض شعره ومعانيها قصدنا  ” ص 18

 

وعن منهجه في تناول الظواهر اللزومية في شعر الحصري يقول محمد عبد العظيم ” ولن يختلف منهجنا العام في التعامل مع هذه الظواهر  عن المنهج الذي تناولنا به ظاهرة اللزوم العلائي،فان كنا  سنتخذ مختلف دواوين أبي الحسن مفاصل لعملنا ،فان ما يعنينا في كل واحد منها في الحقيقة،هو ما التزمه  فيه منتجه من ظواهر ثم إننا ،خوف التكرار ، لابد أن نسقط من حسابنا كليا أو جزئيا، كل ظاهرة سبق أن أوفيناها حظها من الدرس في نص سابق عما تكون إزاءه ….فمنطلقنا إذن ، في د راسة هذه الظواهر سيكون ما اصطلحنا عليه بالفضاء الأكبر أولا…وبعد الفضاءات ألكبري نتناول الظواهر في فضاءاتها المتوسطة أي النصوص.قصائد كانت أو مقطوعات ، لنرى سبل انتشار الظواهر  فيها ومدى تحكّمها في هيئتها وبنائها .ويصلنا ذلك حتما بالفضاءات الصغرى أي الأبيات الشعرية، لنتتبع فيها الظواهر وتأثيرها ي مجالها إيقاعا وبنية ودلالة .” ص18 و19)

ويقول عبد العظيم في سياق حديثه عن نصّ الحصري :” فنص الحصري هذا ، إذن شبكة  من الأشكال والأنماط  الإيقاعية  المتداخلة المتتابعة  لايستطيع المتلقي  إلا الوقوف  عندها باثنين  من حواسه على الأقل .. والأبيات في هذا النص دوائر صورة وصدى ، يعود بعضها على بعض اثنتين اثنتين  وتتجاوب الأشطر المفرد فيما بينها . ومن الاثنين تتولّد الصورة العامة ويتشكل الإيقاع  الجامع للنص .وتذكّر هذه الهندسة أيضا بالبنية التى بني عليها أبو العلاء فصوله وغاياته نثرا. حيث يكون الشطر المفرد قد حلّ محلّ الغاية ويكون الحرف اللازم  في الأبيات في منزلة الحروف  التي جعلها المعري ختاما  لفقراته..” ص 22

 ما وصل إليه الباحث محمد عبد العظيم وهو الطريف فيما له من القدرة على استنباط تخريجة وجيهة تجعل هندسة نص الحصري فريدة من نوعها إذ يقول :”فقد ثبت لدينا أنه جعل  الأبيات لوصف الحبيبة وذكر ميزتها  وخصالها ، وخص لأشطر المفردة  بأثر الحسن  والعشق على المحب ووصف حاله وإبلاغ شكواه فالعلاقة بين العنصرين هي علاقة السبب بنتيجته.، مما يتيح إمكانية  توليد نصين مختلفي المعنى من نفس النص ،الأول أبيات في الغزل والثاني قوامه أشطر في الشكوى وذكر تباريح الهوى …” ص22

هذا ويسهب محمد عبد العظيم أيّما إسهاب في تدقيق الكلام في موضوع لزوم ما يلزم معتبرا المتفرقات بذرة له  مستشهدا بأبيات  من هذا اللزوم الحرفيّ في قول الحصري : 

فكأنّ الميْت حيّ  غير أنّ الضاد ميم(ص28)

أوفي تضعيف المقابلة في قول الحصري:

ولم يزل قابض الدنيا وباسطها  فيما يشاء له محو واثبات(ص29)

والمؤلف إن لم يغفل  عن التأكيد على قدرة الشاعر على حسن استغلال  الظواهر البلاغية  وتوظيفها أساليب بناء وسبل أداء. في مثل قوله (الكامل)

اللؤلؤ المنظوم  من فمك  انبرت       عبراته كاللؤلؤ المنثور ( ص29)

فانه لا يغفل أيضا عن الإشارة إلى ما يلحق هذا الضرب  من اللزوم الذي يهدّد صاحبه  ببعض المحاذير والأخطار قائلا:” أهمها السقوط في التكرار المنتج للشأم والملل . وهو ماعيب على المعري  في لزومياته. أما الحصري فلا يلحق قارئه ما يلحق قاريء أبي العلاء  من ذلك السأم والملل الذي ينتجه التكرار . بل يمكننا القول  انه يزداد في كل مرة تأثرا بالمعنى  وإحساسا بمصاب الشاعر .”ص 33

ومحمد عبد العظيم يبدو باحثا معترفا بحدود إمكانياته في تعليل الشذوذ في عدد النصوص دون أخرى في قوله :أما من حيث عدد النصوص ذاته، فيبدو أنّ ألحصري اختار أن يكتب على كل حرف مطولة  واحدة على الأقل  وقد التزم هذا العدد في ثلاثة وعشرين  من فصوله . ولم يشذ  عنه إلا في ستة منها ،هي التاء والراء والكاف والميم والنون والقاف . ولمّا حاولنا أن نجد لهذا الشذوذ مبررا  لم نتوصل إلى نتائج يمكن الاطمئنان إليها”(ص34) 

وهاهو عبد العظيم يبررالاختلاف الحاصل بين الحصري والمعري في الكتابة على كل الحروف إذ يقول :” وليس حرص الحصري على الكتابة بكل الحروف رويّا، مما  يبرّر ما بُبرّربه فعل أبي العلاء، لاختلاف الظروف والأغراض  وإنما نراه متصلا مباشرة بالغرض .فكأنّ الحصري قد آلمه موت ولده ولم يحد ما يقابل به مصابه ويعبر عن منزلة  الفتى  عنده ، إلا أن يقدّم له أفضل ما يقدر، وماذا بيد الشاعر غيرالشعر؟ فقرر أن يبكيه على كل الحروف حتى يفرع المعاني وينوع إيقاع النوح والبكاء …ولم يلزم نفسه بما  ألزم به أبو العلاء من الكتابة  على كل حالات الإعراب وحالة السكون،”ص41

ولعلّ ما أتاه عبد العظيم من حرص فريد من نوعه في تتبع لزوم ما لا يلزم على مستوى اختيارا لحروف وترتيبها في شعر الحصري مقارنة بشعر المعري ما يلفت النظر ويجلب الانتباه إلى فدرة الباحث الفائقة وصبره صبر أيّوب على تقصي مواطن الاتفاق والفروق في أصغر وحدة من ,حدات الكلام ألا وهو الحرف ومن قوله في ذلك :”ب- كان القاف رابع الحروف الأوائل عند الحصري وهو ليس بعيدا عن ذلك في اللسان ،حيث كانت مرتبته  السادسة ،غير أنّه عند المعريفي المنزلة الحادية عشرة . ” ص42 

كما يقول في نفس الصفحة مدققا” فالحروف الخمسة الأخيرة عند الحصري الصاد والشين والذال  والعين والغاء والخاء . هي عند المعري : الذال والخاء والواو زالظاء والغين. وفي اللسان الحروف الخمسة الأخيرة  هي الياء والضاد  والغين والذال  والظاء. وذلك أن الاتفاق ثلاثي فيما يهم الذال والغين . وهو ثنائيّ بين الشاعرين  فيما يهم الخاء وحدها .والاتفاق بين الحصري  والمعجم يهم الصاد فقط . وبين المعري والمعجم  دون الحصري يتعلق بالظاء فقط  وينفرد الحصري  بالشين والمعري بالواو والمعجم بالياء .ويتبين أن مافيه اشتراك أكثر من المختلف فيه.(ص42) وهل نحن أمام شعرية الحرف أم أسلوبيته أم سيميائيّته والحرف معناه في غيره كما جاء في كتب النحو القديم ؟

وهل نحن أمام مدخل جديد يساعدنا على الوصول إلى فرضية توصل إليها في قوله :” وإذا اعتبرنا المعجم هو القاعدة ، يمكننا القول  أن الشاعر مهما حاول  الإبداع باللغة . يبقى سلطانها متحكما فيه .يحد من غلوائه  وجنوحه ” ص 42

لكن السؤال مَ الإبداع باللغة ومَ المقصود بسلطانها الذي يبقى متحكّما في رقاب ذلك الإبداع ؟ ورغم  هذا التدقيق المذهل الحرج نرى الباحث يذهب إلى التعميم أو الإجمال المألوف إلف اليقين  في قوله :” أما الاختلاف بين الشاعرين ، فهو دون شكّ سبيل اختلاف السياقين .وخاصة بقية اللوازم  التي وضع المعري نفسه فيها  مثل لزوم حرف سابق  عن الروي ولزوم استعمال  كل حركات  الإعراب والسكون كذلك . فهذه العوامل لابدّ أن تسم شيخ المعرة ببعض الخصائص الفارقة والمميزة … ومما يدعم هذا الرأي أنّ الحروف  التي وقع فيها الاختلاف ذاته  لم تكن بعيدة عن دائرتها  في المعجم إلا نادرا… “ص42 وص 43)

وليست المقاربة التي يجريها محمد عبد العظيم على مستوى الحروف بسهلة المنال ولا هي بمتداولة في دراسة بعض مميزات أساليب الحصري في فوله الشعري الذي يلحقه بمنظومة الكتابة في قوله ” ولا نعتقد أنّ دراسة  الجدول والوقوف  على أهمّ خصائصه ، وبالتالي بعض مميزات أساليب الكتابة عند ألحصري ، يمكن أن تكون دقيقة ومجدية إلا أذا وقع دعمها  بما تكشف عنه مقارنته  بوضع تلك الحروق في المعجم أولا وبحالها عند من تبع ألحصري سبيله في الإبداع ثانيا …وبإجراء هذه المقارنة تكشّفت لنا النتائج التالية : أ- اتفاق الجداول الثلاثة في تقدّم بعض الحروف  وهي الرّاء والميم والنون فالرّاء نجده في المنزلة الأولى  عند الشاعرين ، وهو  في  الثانية عند لسان العرب . والميم مرتبته الثالثة  في الجداول جميعها.أما النون فهو في المرتبة الثانية عند ألحصري والرابعة عند المعري والخامسة في اللسان .(ص 41وص42)

وتتواصل هذه المغالاة في التفصيل وتفصيل التفصيل دون الغفلة عن علاقة ذلك بالجانب اليبداغوجي والباحث مدرّس يتوجه بكتابه إلى طلبة في اختصاصه  ليصل إلى فرضية  بديهية في قوله ::” وإذا اعتبرنا المعجم هو القاعدة ، يمكننا القول إنّ الشاعر مهما حاول الإبداع باللغة، يبقى سلطانها متحكما فيه ، يحدّ من غلوائه  وجنوحه ، أما الاختلاف بين الشاعرين ، فهو دون شك سبيل اختلاف  السياقين . “(ص 42 وص42)

ومن أوّل وظائف اللزوم في شعر الرثاء عند الحصري قول محمّد عبد العظيم ” ومن الطبيعي أن يكون لهذه الظاهرة  أثر ووظيفة  في الديوان  بمختلف  مستويات الفضاء فيه . وأول وظائف هذا اللزوم ما كنّا ألمحنا إليه من فسح لمجال القول  في الفرض وإبراز  لمدى حرقة الشاعر  وحزنه لفقد ابنه . فالمرثي يستحق أن يقال فيه الرثاء بكل ما توفره اللغة من إمكانات، كما أنّ اتساع مجال القول يمكّن الشاعر من التعبير عن كل المعاني الجزئية التي يتطرّق إليها غرض الرثاء عادة ويسمح له بأن يدقق القول  في كل معنى منها ،حتى يستفرغ شحنة الحزن التي في ذاته أولا ويقنع  ٌقارئه عبر التأثير فيه بجلالة المصاب ،حتى يشاركه الحزن والحرقة ثالثا ..”( ص43)

وهنا السؤال عن علاقة  هذه الوظائف بوظيفة الشعريّة  الحديثة بوظيفة اللغة وماتوفره من إمكانات التضييق وعدم التدقيق لا فسح المجال للتعبير عن كل المعاني الجزئية كم تذهب إليه نظرية نقد الشعر قديما ؟

وكأنّ النص يغدو انعكاسا ماديا لصورة ولا اعتباطية بين دال ومدلول في غفلة أو تجاهل لأحدث النظريات اللسانية مع فرديناند دي سوسير حين يقول محمد عبد العظيم  :” ويتحوّل النصّ بفضل هذا التنوع الهيكلي –الصوتي ، صدى لبكاء الشاعر على كل الحروف ، تمثل القصائد منه مجال البكاء المسترسل والدمع المتدفق  يطلق الشاعر فيهلالنفسه العنان  فيعدد خصال المرثي  ويشكو تباريح الجزن ، لايقيده  في ذلك  إلا لزوم الغرض الواحد والروي الموحّد. وتكون  المقطوعات  القصيرة شهقات مختصرة محدودة أو زفرات مكتومة، يطلقها  الشاعر تباعا . وشحنها المعنوية  معان جزئية  مكتنزة محصورة . والقيمة فيها للصوت قبل المعنى والدلالة …” (ص44 )

تتواصل هذه المقاربة الطريفة في جدولة تصنفيه للحروف المتماثلة والمتنافرة في المعشرات على وجه الخصوص مشيرا  الى النسق التحويلي الدائري مجسدا له برسم يقول في أسفله :” وتكون صورة النصوص المولدة باتجاه هذا النسق ذات سمات .منها ما يشد الواحد منها إلى النص الأول ،النص الأصل الذي يأخذ منه ما يأخذ كل مولود عمّن ولده . ومنها ما يلتفي فيه مع بعض إخوته ،بقية النصوص المركبة من نسقه أو من سواه .ومنها أيضا ما يتفرّد به ،فيكون من مقوّمات هويّته الخاصة…”ص 68 

ولعل محمد عبد العظيم يفيد أيّما إفادة من مقاربات علماء التحول والتوليد أمثال  ريمون كينو في قوله :” ومنها أيضا النسق الذي اعتمده  Raymond Queneau لتوليد مائة الف مليار نص  من عشرة نصوص  ابيات الواحد منها اربعة عشر فقط وقوامه ان ياخذ المركب كل مرة  بيتا واحدا قاعدة يصم اليه بقية الابيات  الاربعة عشرمن كل النصوث  ويكون الحساب باعتماد قاعدة 10 ” ص 70

والسؤال الطريف المفارق هل المعشّرات ديوان شعر أم باقة زهر ؟هو سؤال  عن صناعة الشعر التي هي عملية تحويل بل توجيه حواسّ المتلقي  من مجال السمع والإدراك الذهني  والحسي  إلى مجال حاسة الإبصار  ومتعة النفس بعد الرّؤية . وبمقتضاه يتحول المكتوب إلى مرسوم  ويتحول الفضاء إلى لوحة فيتحوّل القارئ إلى ناظر كما يقول عبد العظيم في  صفحة (72)  

 هذا وان كنا نجاري النظرية القائلة بالتّحويل والتحوّل أو المسخ دون النسخ في قول الشّعر لا كتابة الشعر وشتان بين الشعر المدوّن والشعر المكتوب في مفهوم الكتابة الحديث  الذي لايزال غاية لمّا تدرك فإننا نسال كيف يتحوّل  المكتوب إلى مرسوم والكتابة مادّتها الحروف متولدا بعضها عن بعض وهل يختلف القلم عن الريشة في ما يذهب اليه مؤلف الكتاب في قوله :؟ “فيترك القلم إلى الريشة ويسعى إلى نقل كلام الحصري غالى رسوم وأشكال” وهناتطرح علاقة النص بالصورة وهما في قطيعة حسب بارط في كتابه امبراطورية العلامات . وبمناي عن هذه القضايا السّيميائية الحديثة يطمئن الباحث إلى ما يذهب إليه من أن هذا التحوّل يعود الفضل فيه إلى لزوم ما لايلزم  إذ يقول :”وماكان ذلك ليتيسر لولا الظواهر اللزومية  التي فرضها الحصري  على نفسه وعلى نصه ، فاتخذت قصائده وأبياته  بمقتضاها ، أشكالا تكون موحّدة قارة، مشدودة كلها إلى قاعدة واحدة هي اسم الديوان وهو اسم وصف “المعشرات” وليس الاختلاف بينها أكثر من اختلاف الإزهار  في ألوانها وبعض شذاها…”ص73 وهكذا يكون التخلّص من مراسم الشفويّ المدوّن المسموع إلى مراسم المرسوم المبصر  فتولد “المعشرات” في ذهن القاري صورة المزهرية  قاعدتها الجامعة اسم الديوان  وغرضه الموحد.

وهل الولادة إلا انبثاق وتحوّل وهل تصير المعشرات باقة تهدى للميّت بالمفهوم المسيحيّ لا الاسلاميّ انطلاقا من تلك القاعدة ؟ “ومن تلك القاعدة  تنبثق تسع وعشرون زهرة  بعدد قصائد الديوان ،كل قصيدة زهرة . وتكون كل زهرة  من عشر بتلات (  Pétales)  كل بتلة منها تمثل بيتا  من أبيات القصيدة مثلما البتلة واحدة من مجموعة أكبر  هي مكونات الزهرة . ويتوسط الحرف الذي بني عليه النص الزهرة كما تتوسط “المدقة”فضاء الزهرة وتمثل عنصر الحياة والإخصاب فيها كما كان الحرف مولد البيت ومن بعده النص .  وتبعا لذلك التصور على النقيض من منهج التوليد السابق ،يتجمّع الديوان وينحسر مداه ليتحوّل إلى صورة فيها تسعة وعشرون مكوّنا،زهرة،قاعدة كل مكون منها أحد حروف المعجم . والكل مشدود إلى بعضه بمقتضى النوع  والغرض كما تشد الزهرات الى المزهرية.” ص 73

 

ويتحول الكلام الشّعري باعتباره نصّا إلى صورة تروج بها سوق “المعشرات فترغّب القارئ في قراءتها  كما يقول محمد عبد العظيم  في الصفحة( 74) قولا مدعوما بصورة أو رسم لمزهرية وسمت بديوان المعشرات ” ومن شان هذا التصوّر في تقديرنا،والكلام  لعبد العظيم أن يقدم ديوان “المعشرات ” إلى القارئ على هيئة أكثر قابلية  للقراءة وفي صورة تجمع إلى متعة الذهن  

والتصوير متعة العين بالصورة. فتكون العلاقة القراءة   النصّ /المزهرية والقاريء/الناظر أشد  متانة ويصبح المقروء /المنظور أشد تأثيرا وأقوى علوقا بالنفس ، والمعاني أقوى تأثيرا وأشد رسوخا عند المتلقي /الناظر وهل في هذا تفسير لبسيكولوجيا المتلقي ؟ ولعل المسألة في نظري تتجاوز الناحية البروتوكولية التسويقية لتصير شارة بل بشير تحوّل غرض الرثاء باعتباره مأتما يجيز ذكر مناقب الميت (حسب مراسم غرض الرثاء ومواصفاته)  إلى غرض نسيب أي من مبكى إلى مغنى تفاؤل مشهود أومشاهد يحوّل كلام “المعشرات” إلى صورة مزهريّة يهديها الأب الشاعر الحصري إلى ابنه عبد الغني وهي صورة مستلهمة من نظرية ريمون كينو في التوليد ولعل مفهوم الهدية ذاته مجسدا قي الباقة يظل مفهوما دخيلا على الذائقة الشعرية العربيّة الإسلاميّة مما  يدعو إلى السؤال عن علاقة هذا البحث بالنظريات اللسانية والأدبية الحديثة ومنها النظرية التحويلية التوليدية والنظرية الخاصة بعلم الأصوات ؟ 

هذا وان لم تكن طبيعة التحليل بمعزل عن الإيحاء بحضور أصداء ثقافة الباحث محمد عبد العظيم من خلال الإحالات الاصطلاحية الخاصة بالتفصيل في إحصاء الحروف ومواطن انسجامها واختلافها في نطاق تجربة لزوم مالا يلزم عند الحصري والمعري وفي  الإشارة إلى ما يتعلق بالتحويل والتوليد مما يشي بأنها ثقافة الانفتاح على المكتسب من دروس الصّوتيّات واللسانيات دون الإشارة الصّريحة إلى ذلك صرحة في  قائمة مراجع هذا  الكتاب الذي يكاد أن ألا يتحرّر بالكامل حسب فهمي المتواضع من أن ينخرط في الرّدّ على سؤال قديم جديد يتعلق بعلاقة أدب المشرق بأدب المغرب المغرب من خلال ماجاء في خاتمة مقاله :” ومن شأن المقارنة بين الحصري وأبي العلاء واعتبار ما بينهما من تباعد في العصر والمصر ،أن يفتح الباب للكلام في علاقة أدب المغرب بأدب المشرق وهو مجال فد يكشف  تحليل ظاهرة لزوم  ما لا يلزم  عمّا شابه من أحكام خاطئة ومواقف متسرّعة، مفادها أنّ أدب المغرب هو دائما تقليد لأدب المشرق لا يمكن أن يصل إلى منزلته،بله أن يفوقه أو يطوّره…” (ص111) 

***     

*محمّد عبدا لعظيم   أبو الحسن ألحصري القيرواني(420ه..488)…حين تكون القيودعقودا – الأمينة للنشر والتوزيع  الطبعة الأولى-تونس/ فيفري 2023

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *