ميراي شحاده حدّاد فِكرٌ وعطاء

Views: 2048

الدكتور جورج شبلي

العَطاءُ المُتحمِّسُ في الثقافةِ خبزٌ صَلبُ العودِ كالنُّبلِ عندَ الفَقر، وهو ليس رقعةً تُسَدُّ بها حاجةُ القلبِ الى البَوحِ عن مكنوناتِهِ، بِقَدرِ ما هو تأمّلٌ بُعدِيٌّ، هَمُّهُ أن يتسلَّقَ أدراجَ الحياةِ ليُخَزِّنَ ذاتَه في خِلَعِها، وهكذا، يَبيتُ في اكتفاء. ومع ذلك، قَلَّما بلغَ عطاءُ ميراي شحاده حدّاد حَدَّ الإرتياح، لأنّ نفسَها أَمنَعُ من أن تنقادَ للهَدأةِ وهي في مَوَجانِ الإنطلاق، فالخمرةُ في ذروةِ النّشوة لا يُسأَلُ كَم يُساوي دَنُّها.

إنّ الإهتمامَ بالفكرِ هو منزلُ القضيةِ في نشاطِ ميراي، وكأنّها تَبَنَّت ما قالَه الفيلسوفُ زينون من أنّ الفِكرَ هو جوهرُ الإنسانيّة. والمقصودُ هو الفِكرُ المنفتِحُ على أرجاءِ الكَون، والذي تتكاثفُ معهُ ذاتُ الإنسانِ المُطلَقة، بحيثُ يتفلَّتُ من قمقمِ الزّمانِ والمكان، ليمتدَّ الى مَدًى إنسانيٍّ شموليٍّ، يُشرِكُ، بعِبَرِهِ، حواسَ الإنسانِ، ليكونَ، بِحَدِّ ذاتِهِ، عالَماً. وكتاباتُ ميراي جوعٌ الى وجود، إنها أبياتٌ وأحكامٌ وخواطرُ مُتحِفَةٌ، أشاعَتِ النّداوةَ في النفوس، لذلك، أقبلَت عليها الأذواقُ إقبالَ التّقديرِ على مَنْ يستحقُّه. إنّها جولةُ قلبِ ميراي بين سنابلِ الحياة، وشعاعٌ مُلَوَّنٌ بشعورٍ يقطنُ صَدراً يتمدَّدُ فوقَهُ احتياطيٌّ من العذوبةِ والصّفاء. إنّ كتاباتِ ميراي تُحَسُّ ولا تُرى، فهي رقرقةُ الجداولِ ولا جداول، ووَقعُ العطرِ ولا ورود. 

الإبداعُ في كتاباتِ ميراي، شِعراً وخواطرَ وتأليفاً، تتلاطفُ في إيوانِها الجزالةُ مع البيان، مُطَعَّمَينِ ببلاغةٍ تُمسكُ بالقلبِ لكي يتلمَّسَ جمالاتِها، ما يدفعُ بالقلبِ الى التّصفيقِ للدّهشة، وذلك لأنّ ميراي تؤمنُ بأنّ رسالةَ الكتابةِ، كما تأنسُ اليها النّفوس، هي إيقاظُ الجَمالِ والفرحِ في الإنسان، ببراعاتٍ تائقةٍ الى الإبتكار، تُرفَعُ على حَدِّ قلمٍ مُعافًى وقادرٍ على الوَثب، ليصلَ بِسَبكِ الجَمالِ الى إعلانِ شيءٍ كالوصيّة. والرّابطُ الوثيقُ بين ميراي والإبداع، هو رغبتُها في إغناءِ الفكر، والفكرُ، في قيمتِهِ، هو حياةٌ للحياة، وأقربُ الى النّفسِ من النّفسِ ذاتِها، غايتُهُ حَثُّ الإنسانِ الى معرفةِ الحقيقة، والحقيقةُ هي نعمةُ النّور، وليس فيها ظلمةٌ أبداً.

إنّ ما يدفعُ ميراي الى الكتابةِ، هي المحبّةُ التي، وحدَها، تحقِّقُ البُعدَ المُتَسامي للعطاءِ، أيّاً يَكنْ، لا سيّما الفكريّ. فهذه الرّاقيةُ المتنَوِّرةُ تؤمنُ بأنّ الجَمالَ والخيرَ والحقَّ، بِقَدرِ ما تستمدُّ معانيَها من العقل، بِقَدرِ ما هي بحاجةٍ للمحبّة لكي تترسّخَ في النّفس. إنّ عودةً الى تَقَصّي من أينَ استمدَّت ميراي مواضيعَ كتاباتِها، ومحاضراتِها، ومداخلاتِها، وشِعرِها، وكيفَ وظَّفتها في محيطِها الثقافيّ والإجتماعيّ، تكشفُ لنا أنّ منهجيّةَ المحبّةِ كانت جُذورَ عطائِها الفكريّ، فميراي تردِّدُ، دائماً، أنّه من دونِ المحبّةِ لا تجدُ المعرفةُ نوراً.

ميراي هي واحدةٌ من الرُّعاةِ الرئيسيّينَ لنشرِ الثقافةِ في ربوعِنا، وخارجها، أيضاً، فمنتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي الذي أسَّسَهُ والدُها كوكبُ الفكرِ والعِلم، ارتدى، معها، جبَّةَ الرسالةِ النّاهضةِ الى تذخيرِ مراسمِ ذكرى الوالدِ بالأمانةِ، والأصالةِ، والطّيبة، والصِّدق، المترابطةِ بالرّاحلِ، والمتلازمةِ معه. وفَضلُ ميراي أنّها لم تتخيَّلِ العلاقةَ بين منتداها وسواه، في إطارِ المواجهة، ليُثبِتَ كلٌّ أنه الأقوى، بِقَدرِ ما كان فرحُها متجلِّياً في التّلاقي، والتّعاونِ، فهي تُعَرِّفُ حضورَها بمقولةِ العلاقةِ القائمةِ على فِعلِ المحبّةِ التي، وحدَها، ضابِطةُ الكلّ، وتقودُ الى النّجاح. أمّا وقوفُها الى جانبِ المواهِبِ، دَعماً وتحفيزاً ونَشراً، فلا يتوخّى إلّا الإسهامَ في إبرازِ الأعمالِ الإبداعيّةِ لإشعالِ جذوةِ الثّقافةِ في الأجيال، ولإثباتِ أنّ الموهوبينَ من الأدباءِ والمفكِّرين والفنّانين، هم السَّببُ المباشرُ لِما هو حَيٌّ، وحُرٌّ، ومُثمِرٌ، وسبيلٌ الى حياةٍ إنسانيّةٍ نبيلةٍ راقية، توّاقةٍ الى الأفضل. فكم من إصداراتٍ وقَّعَها المنتدى وِفاقاً لحُكمِ النّجاح، وللبُعدِ الثقافيِّ والإنسانيّ.

تستمدُّ ميراي أَلْفَ السِّحرِ وياءَه، في طريقِها الإنتاجيّ، من طقوسِ العقلِ، ومن الجوانبِ الثقافيّةِ في مخزونِها، من لغةٍ، وعلمِ اجتماع، وأدب، وسيكولوجيا، وتوثيق، وميراي واضحةٌ إذا كتبَت، تُحدِثُ تغييراتٍ رائدةً في انتظارِ الحصاد، وكأنّها جرّاحٌ يرفعُ يدَه، وروحَه، فوقَ ترابِ المواسمِ ليحوِّلَها حياةً تقولُ أكثر، وتفعلُ أكثر، وتؤثِّرُ أكثر. من هنا، لَبِسَ إنتاجُ ميراي والذي يَخطُّ لنهضةِ الكيانِ المجتمعيّ، عباءةً تختلفُ عن النّسيجِ المألوفِ في التأليفِ، والإصدار، والإخراج، ليكونَ له شخصيتُهُ الفريدةُ غيرُ المقلِّدة، وكأنّه رفضَ أن يكونَ صَدًى. لذا، فَميراي حداد نزّاعةُ الى ملامحِ التّجديدِ، تستوحي المناخَ التّطويريّ، بأسلوبٍ تنويريٍّ واعٍ، وكأنّها بَحّارٌ يغوصُ في مياهِ الإبداع، وبدونِ مَشَقّة، يغسلُ قلمَهُ بالصّدقِ، والرقيّ، ليكشفَ ما في شخصيّةِ صاحبتِهِ، ميراي حداد، من سُمُوٍّ روحانيٍّ سامٍ.

ميراي حدّاد في منتداها، مدرسةٌ تنشرُ ذخائرَ المعرفةِ كُتُباً، ومنشوراتٍ على امتدادِ الوطن، لتنقذَ الإبداعَ وكَسبَهُ المعرِفيّ، وهي قنصلٌ من دونِ مرسوم، تتوسَّعُ خارجَ لبنان، في المنتدياتِ، والمعارضِ، لتكشفَ عن فائضِ الموهبةِ لدى لبنانيّينَ استطاعوا أن يُعطِّروا الأدبَ العربيَّ، والفنَّ المشرقيَّ، بنفحةٍ لبنانيّةٍ، لتنتقلَ الى أكثرِ الأَقطارِ أسرارُ الإبداعِ في بلادِ الأرز. وكما أنّ الرَّعدَ هو أعلى الأصوات، فهتافُ ميراي لخدمةِ الفكرِ، هو أقصى هتاف، فقد نذَرَت ذاتَها للثقافةِ، ولا استراحة، ولم تَحْنِ هِمَّتَها، في نَذرِها، إلّا تَواضُعاً.

    

   

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *