زورق

Views: 261

د. جان توما

نحملُ متاعبَ الحياةِ ونعبُرُ خفافًا، كما يحملُ البحرُ متاعبَهُ كزورق. كُنْ بحرًا حاملًا نسائم أفق، وموج شاطئ. لعلَّ الريحَ أن حملت عناوين السفر تغرف من  أرصفة المدن المشاطئة سحر الأرجوان، تائهة ب”أوروب” منذ اختطفها “جوبيتر، من والديها “صيدون” و”صور”،  كما تاه اخوها قدموس في هويّته العولميّة التي وقع عليها في غربته وجعًا، محترقا ولعًا، وشوقًا مالحًا ساخنًا كرمل شاطئ صباه.

كأنّ الزورق يرسم ثرثرثه على وجه المياه، كما رسم نجيب محفوظ ثرثرثه فوق النيل. هذه الثرثرة الهاربة من برّ الناس إلى الماء. الزورق ثابت وما تحته متحرّك، والثرثرة صلة وصل بين الثابت والمتحوّل، كما يثرثر الشراع بين وجع المرساة في غور الماء، وبين فرح الريح بلجين غلالة الصاري الطالع ملوّنا في زرقة محيط وسماء.

يرتاح الزورق الصغير من الكتابة على وجه الماء، فيما يبحرُ بهدوء. هو حريص على عدم جرح سطح اليمّ، يريد أن يكون مسالمًا، هادئا، مخترقًا عتمة الليل ليأتي بالفجر إلى مطارح العتمة. يدخل الزورق لحظة الصمت، كالصيادين الذين يمتنعون عن الغناء ليرثوا رزق البحر، بعكس الفلاحين الذين يدخلون المروج مع قطعانهم بالمزمار والقيثارة والموّال.

الزورق وجه، يتناول رذاذ الماء بمجذافيه. يغسل وجهه، يمخر في هدأة ريح، يلتحف نجومًا تائهة، دليلها شهاب عاشق أبحر في ليالي العاشقين، كتب سطرًا في دفتر الماء و…محا.

***

*اللوحة للفنان  زياد غالب

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *