من مشهديّات الزفّة والعَرَاضة والطَبل والزَمْر..إلى هستيريا رصاص “الابتهاج”، حاصد أرواح الأبرياء!

Views: 425

د. مصطفى الحلوة

المهندس لامع ميقاتي، عبر صفحته على الفايسبوك (6 آب 2023)، وجّه صفعة، هي أقوى من الرصاص “إلى من يُطلقُ النار ويُقرقع لأنّ ولده نجح في الشهادة !”..هذه الصفعة، أرادها الميقاتي أن تتعدّى إلى مجال أوسع، فوضع شعوبنا أمام الحقيقة المرّة، فإذا هي اليوم خارج ما تشهده دُول العالم المتقدّم، من ريادة علمية، على مستوى جامعاتها، ذلك أنّ ” 9 من أُولى 10جامعات في العالم موجودة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، والثامنة في سنغافورة”. وفي انتصار كاتبنا الميقاني لأولويّة العقل، في اشتغاله، يستكمل تعريتَه للمنطقة العربية، التي تحوي أعظم ما تجود به الأرض من خيرات، ولكنها مستغرقةٌ في جهالة جهلاء وضلالة عمياء:” المهمّ ليس وجودخيرات ونفط ومعادن في باطن الأرض، المهمّ دماغٌ يُفكّر ويُبدع!”

إذْ رصدنا ما جادت به قريحة “المعلّقين” على المطالعة “الميقاتيّة”، فقد ترجّحت التعليقات بين من يَكِلُ الأمر إلى الله، فهو حسْبُه: حسبي الله ونِعْمَ الوكيل فيكم وبَسْ/ ومن يُوافقه الرأي Very true unfortunately (أي: صحيح للأسف)/صدقت أيّها الألمعي المبدع/وبين من يرى أن هذا النداء لن يلقى آذانًا صاغية: على من تقرأ مزاميرك يا لامع أفندي؟ إضافة إلى من ذهبَ عين المذهب، فاستحضر أبا الطيّب المتنبي، إذْ يقول في الأذلّاء الأحياء-الأموات:”من يهُنْ يَسهُلِ الهوانُ عليه/ ما لجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ!”

…في مقاربتنا مطالعة الصديق باش مهندس ميقاتي، الذي نرى إليه شيخ المثقفين في مدينتنا طرابلس، لنا أن نتوقّف عند مسألتين، تُثيرهما هذه المطالعة: أولاهما، العادة الذميمة، التي درج عليها غالبية اللبنانيين، حيث يُطلق الرصاص الحيّ ، في الأفراح والأتراح، بل في كلّ مناسبة، عظُمَ شانُها أم قلّ، حتى أسَفُّوا وابتذلوا وباتوا، وفق القول المتداول لدينا، “يُزَلغطون للمعلاق!”، وعلى طريقة “عديم وَقَع في سَلّ تين!”، أو “إجا للعميان صبي!”، ومن كثرة “البقبشة” به أعموا بصره، فصار إلى جماعتهم!..بئس ما يفعلون! أما ثانيةُ المسألتين، فهي تتمثّل في تخلُّف المنطقة العربية عن الرَكب العالمي، على صعيد التقدّم العلمي وسائر الانجازات التكنولوجية، على رُغم ما تكتنز أرض العرب من خامات وموادّ أوّلية، لعلّها الأغنى في هذا الكوكب!

– عن تلك الظاهرة الكريهة، ظاهرة  إطلاق الرصاص، في مختلف المناسبات، وما أكثرها: من نجاح طالب في إحدى الشهادات الرسمية، إلى ترفيع “آلي” للضباط في الأسلاك العسكرية، إلى إنهاء طبيب تخصّصه ونجاحه في الكولكيوم، إلى قدوم مغترب “زنكيل” لقضاء فصل الصيف في مسقطه، إلى فوز فريق رياضي على آخر في مباريات عالمية، ولربما ولادة “بكّيرة” من بقرة ، في إحدى القرى..إلخ..كان هان الأمر لو يمرّ “قطوع”   إطلاق الرصاص من دون منعكسات سلبية، ففي كل واحدة من المناسبات – ذروتُها الشهادات الرسمية – كمِثل ما شهدناه الأسبوع الفائت، ثمّة ضحايا، قتلى وجرحى، بالعشرات! وقد تبيّن، وفق “الدوليّة للمعلومات” أنّ 7 قتلى و 15جريحًا، المعدّل الوسطي، كلّ عام، جرّاء الرصاص الطائش! وسندًا لهذه المؤسسة الإحصائية، فقد سقط بين عامَي 2010 و 2021 :81 قتيلًا و 169جريحًا!

لدى إعلان نتائج الثانوية العامة، منذ أيام – نسبة النجاح، ما شاء الله، كانت عالية جدًا، إذْ نجح الجميع، على طريقة جاك مارتين Tout le monde a gagné، ولم يرسب إلّا من قدّموا مسابقات بيضًا، و”الطلامسة” (جمع طلطميس)- فقد اشتعلت مدن لبنان وبلداته وقراه  بالرصاص، الذي يُصمّ الآذان، في أكبر عمليّة للتلوّث السمعي. ناهيك عن إقلاق راحة المرضى، وإرعاب الأطفال، وتكسير زجاج عدد من السيارات، و”بخش” ألواح الطاقة الشمسية ..وقد سقط ولد قتيل في أحد المخيمات السورية في البقاع، وها هي الطفلة نايا حنّا، تُصارع الموت، في إحدى المستشفيات، إذْ أصابتها رصاصة، حيث كانت في Colonie بمنطقة الحدث، مع شلّة من رفيقاتها!

يسمّونه رصاصًا طائشًا، لا يا عزيزي! فمن يُطلق الرصاص “المناسباتي”، يعلم علم اليقين أن فعلته قد تُسفر عن إصابة أحد المارّين في الشارع، أو المتواجد على بلكون منزله أو في أي موضع آخر! أي ثمّة نيّة جرميّة كامنة في تصرّفه، تعادل النيّة الجرميّة القصديّة، مما يضعُه في مصاف المجرم، أو أقلّه شبه المجرم! 

لسنا ضد أن يفرح الناس بما يُنجزون من جيّد الأعمال، بل نحن مع ثقافة الحياة والفرح، لا ثقافة الموت والظلاميّين، ولكن ضمن أسلوب حضاري راقٍ! هناك طقوس كثيرة، يُمكن اللجوء إليها، من دون الإضرار بالآخرين..قديمًا، وعلى وعينا، حيث كان حضورٌ للدولة، كان الطبل سيّد الاحتفالات، يواكبه الزمر..وكانت الزفّة الليلية على ضوء المشاعل، وكانت العراضات الفولكلورية، وكانت المفرقعات، التي تُدعى ” الشِنّك” (باللغة التركيّة)..وهناك أساليب أخرى، لا يحصرها عدٌّ، للتعبير عن الفرح، خارج نطاق التلوّث بالضجيج، الذي يواكبه زهق الأرواح!

– وعن المسألة الثانية، عن أوروبا وبلاد الغرب بعامة، وعن بعض الدول الأسيويةمن صُنّاع المعجزات، فقد كان لهذه الدول أن تتربّع على عرش الفكر العالمي، في أرقى مستوياته، الذي تؤشّر عليه الصروح الجامعية. في هذا المقام، يأتينا باش مهندس لامع ميقاتي بإحصائية “طازجة”، تتضمّن الجامعات العشر الأوائل في العالم، وهي على التوالي: معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا/جامعة كامبردج/جامعة أوكسفورد/جامعة هارفارد/جامعة ستانفورد/معهد لندن الامبراطوري/المعهد الفدرالي السويسري/الجامعة الوطنية(سنغافورة/,معهد لندن الجامعي/جامعة كاليفورنيا (بركلي).

أينكُم يا عرب؟ أين الجامعات العربية، من هذا المشهد الجامعي العالمي؟

لقد استبان، من خلال متابعتنا لأفضل الجامعات لدينا في لبنان (الجامعة الأمريكية/الجامعة اللبنانية/الجامعة اليسوعية/الجامعة اللبنانية الأمريكية/جامعة بيروت العربية/ جامعة الكسليك/ جامعة البلمند)، إضافة إلى بعض الجامعات في المملكة العربية السعودية وسائر الخليج، أنّ موقعها، في إطار الإحصاءات العالمية، تأتي في المرتبة 400 وما بعد ذلك! وعلى رُغم الميزانيات الضخمة، التي تُرصد لجامعات الخليج، فما زالت الطريق طويلة لبلوغ ما بلغه الغرب، فشرط ذلك تعزيز دور الأبحاث الجادّة، فهي التي تصنع مجد الجامعات، وترفعها إلى علّيين!

ويبقى السؤال الكبير، حول بنيةالعقل العربي، التي أفرد لها إبن خلدون حيّزًا واسعًا، في مقدّمته. كما كانت دراسات  حول أزمة العقل العربي والإسلامي، خاض غمارها مفكّرون كبار، من محمد عابد الجابري، إلى محمد أركون، إلى هشام جعيّط ، إلى أدوار سعيد، إلى سواهم من المستشرقين المُنصفين..وكانت حصيلةٌ فكريّة كبيرة، ليس موضعها هذه العجالة.

***

* من بيادر الفسابكة/قراءة نقديّة في قضيّة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *